الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أصل التوتر بين المغرب وإسبانيا

لقد أثارت المقابلة التي أجرتها القناة التلفزيونية السعودية «الشرق للأخبار» مع رئيس الحكومة المغربية حول سيادة المغرب على المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، والذي أكد خلالها على مغربيتهما، حفيظة إسبانيا التي استعجلت استدعاء سفيرة المغرب لاستيضاحها حول هذه التصريحات، وللتذكير فإن هاتين المدينتين اللتين تم استعمارهما من طرف إسبانيا منذ القرنين السادس عشر والسابع عشر، تُعتبران آخر معاقل إسبانيا المتبقية في إفريقيا.

الغريب في الأمر أن الرد الإسباني لم يخجل من استعمال عبارة «احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا»، بمعنى تأكيده أن مليلية وسبتة مدينتان من أراضيها السيادية والتاريخية، نفياً للحقيقة، وما يزيد الوضع غرابة حماسة زعيم حزب الشعب الإسباني «بابلو كاسادو» في تحفيز السياسيين الإسبان على الضغط على رئيس الحكومة الإسبانية للتمسّك بهاجس سيادي مغلوط، ينم عن موقف متناقض، وهم يطالبون بإلحاح بإجلاء الإنجليز من جبل طارق.

تعود أسباب الانفعال الإسباني إلى كثير من العوامل المتراكمة والمتداخلة، أهمها: توقيع المغرب والاتحاد الأوروبي على اتفاقية الصيد البحري، التي تغطي طول الساحل الأطلسي للمغرب، بالرغم من أن إسبانيا هي أكبر مستفيد من هذه الاتفاقية. ثم ترسيم المغرب لحدوده البحرية الواقعة تحت سيادته، ما جعل إسبانيا تعتبره إجراء متخذاً من طرف واحد، كما سيأتي قرار المغرب بإغلاق معبرَي مليلية وسبتة ومنع «التهريب المعيشي»، نظراً للأضرار التي ألحقها بالاقتصاد المغربي وللإساءة لصورة المرأة المغربية التي تمتهن هذه «الحرفة».


وفضلاً عن ارتفاع عدد القنصليات في كلٍّ من العيون والداخلة، يعتبر الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، ضربة مربكة للدبلوماسية الإسبانية، التي فضّلت الهروب إلى الأمام، باعتبار أن الاعتراف الأمريكي حسب وزيرة الخارجية الإسبانية يقوم على «القطبية الأحادية»، ولا يخدم حلّ مشكلة النزاع.


بينما تكمن خلفية هذا الهروب في تخوّف إسبانيا من إكساب المغرب من خلال هذا الدعم، وما سيترتب عليه، قوة استراتيجية ودبلوماسية مؤثرة تحوله إلى طاقة اقتصادية وعسكرية، يتعدى بها موطئ قدمه المنطقة التي ينتمي إليها ليشمل أوروبا، وهذا ما يبوئه مكانة القادر على رفع تحدي المنافسة وتغيير ميزان القوى بينه وبين إسبانيا، علماً بأن عملية استباق المغرب في انفتاحه الذكي على إفريقيا، وتقريب موريتانيا إليه ستمكّنه استراتيجياً من لعب دور الوسيط الإيجابي للعالم وإفريقيا التي أصبحت مثار اهتمام متزايد للدول الكبرى، وهذا يعني أن إسبانيا ستفقد دور العتبة الواصلة الذي ما فتئت تدّعيه في شمال إفريقيا أمام الاتحاد الأوروبي.. وفقاً لهذه الحسابات، ترى إسبانيا أنها لم تعد تملك إلا ورقة ضغط واحدة متمثّلة في كظم اعترافها بسيادة المغرب عل صحرائه، وهي الورقة الفريدة، في اعتقادها، التي بإمكانها قلب هذا المسار الاستراتيجي الذي نهجه المغرب، لكن الذي فاتها أن المغرب قد قطع فيه أشواطاً حاسمة لا تقبل التراجع أو البطلان.