الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حرب الشائعات

الأمان والأمل هما روح المجتمعات، ومحفز الهمم، ومحرك الشُّعوب، والدافع للتنمية والنهوض، واقتحام الصعاب، وهما أيضاً الحافز الأساسي للعمل، ولبذل الجهد وتحمل المشاق.. بدون الأمان والأمل تخمد حركة الإنسان، ويركد المجتمع، وتتباطأ أو تتوقف الحياة.

الشعور بالأمان في الحاضر، والأمل في المستقبل، ضرورات لا يتحقق الوجود بغيرهما، لذلك تحرص الدول والمجتمعات على ضمان تحقيقهما، وتسنّ من التشريعات والقوانين ما يحافظ على الأمان والأمل، فلا اقتصاد بدون استقرار الإحساس بالأمان في نفوس البشر، ولا تقدم بدون نور الأمل، وإذا فُقِد أحدهما، أو كلاهما، ينهار الاقتصاد، وتخمد طاقة الحياة في المجتمع، وتفشل الدولة.

حرب الشائعات تملأ الفضاء الإلكتروني، والقنوات الفضائية القادمة من وراء الحدود، يطلون على أهلها من جميع النوافذ، يخرجون من جميع القنوات، ينادون طوال الليل والنهار على بضاعتهم بحرفية واقتدار، شطار جداً في فنون التسويق، والإعلان والبيع، لو كانت بضاعتهم غير هذه البضاعة لكانت أوطاننا أقوى كثيراً مما هي عليه الآن، لهم حيل السحرة والبهلوانات ومكرهم، يشدونك إلى بضاعتهم سواء بالترغيب، أو بالاستفزاز، المهم سوف تشتري منهم في النهاية، ولا تغادرهم دون أن تفعل.


أصحابها يبيعون كل أنواع ومستويات الخوف، يحولون الكذبة الصغيرة إلى أزمة عميقة وعامة وطاحنة.. المهم أنهم يجدون ما يبيعونه كل يوم، وغاية جهدهم تنكيد حياة الشعب، وإغراقه بكل ما هو متاح من المشكلات والهموم، وتضخيم تلك المشكلات، والنفخ فيها حتى تصير جبلاً لا أمل في زحزحته.. يداومون على اختلاق الأكاذيب، أو استغلال المشكلات الصغيرة وتحويلها إلى كوارث كبيرة.


ومن أجل تضخيم المشكلات والنفخ فيها يتم نشر الشائعات والأكاذيب التي تهدد مصالح البسطاء، فهي البديل السريع الجاهز في كل وقت وحين، أو البحث عن مواطن الخلل في الدولة وجهازها الحكومي، والإداري، وتضخيمه بدلاً من تقديم اقتراحات لإصلاحه.. المهم أن يُغْرقوا الإنسان البسيط في حالة سوداوية، تزيد واقعه البائس المرير بشاعة، أولئك هم بائعو الخوف وناشرو الشائعات يعيشون على أوجاع الناس دون تقديم حلول لها.

النقد البناء، والسعي للإصلاح يختلف جذرياً عن تجارة الخوف، على الرغم من أنهما يتناولان موضوعاً واحداً، ويكشفان حقيقة واحدة، ويضعان اليد على مشكلة واحدة، ولكنهما يختلفان في الغاية، فالنقد البناء يهدف إلى إصلاح الحال، والحفاظ على الأمل، وبيّاعو الخوف وتجار الشائعات يهدفون إلى سرقة الأمل وتعميق الخلل، ودفع الأوطان نحو الانهيار والتفكك، وهذه هي رسالة الإعلام العربي الذي تصدّره لنا تركيا أردوغان.