الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

عام الامتنان

ربما كان عام 2020 قاسياً حقاً! يصعب الجزم بذلك، لأن أغلب أحداثه هي من الأقدار المسبقة والحتمية، غير أن التدابير الكونية التي فرضت على البشرية بسبب تفشي وباء كوفيد-19، جعلت لكل حدث بعداً أكثر حزناً.

فحين تفقد عزيزاً يصبح الحزن مضاعفاً لأنك فقدته زمن الوباء فلم تودعه بما يليق به، وحين تخسر جزءاً من دخلك أو عملك تصبح الخسارة أكثر فداحة لأن فرص تعويضها محدودة جداً.. حتى حين تفرح، فالذين ارتبطوا وتزوجوا في هذه الظروف ضاقت عليهم سبل الاحتفال وتلاشت آمال السفر.

الدرس المستفاد من هذا العام المغلف بسوء الحظ هو درس «الامتنان»، حيث اكتشفنا أن البديهيات التي نتملكها ونعيشها هي نعم وجماليات سيكون من المؤلم حقاً فقدانها ذات فجأة.


أن تكون بصحتك وعافيتك وكامل حيويتك، فتلك نعمة كبيرة في مقابل أن تتخطَّفك الأمراض والأوبئة، وما يترتب عليها من العلاج ولبس الكمامة والألم غير المعتاد، وأن تكون في جمهرة من الناس لا تخشى الكائنات الخفيَّة، وأن تتمتع بالحميمية مع الأهل والأصدقاء في كل وقت ومكان، أمر يستحق الامتنان وأنت اليوم تعتبر كل شخص مشروع عدوى عليك أن تتجنبه مسافة مترين.


أن تركب الطائرة وترتاد بلداً جديداً في كل مرة، أصبح حلماً لا تدري متى يتحقق، وأن يعود أبناؤك إلى مدارسهم وتطمئن على طفولتهم من أي أذى، هي رغبة قلقة لكل الآباء والأمهات الذين تعذبوا في تعليم أبنائهم عن بعد.

فجأة وجدنا أنفسنا في عام 2020م محرومين من كل روتيننا الذي لا امتيازات تذكر فيه، وعلينا أن نعتاد على الروتين الجديد، بل ونحاول الاستمتاع به، فكم كانت حياتنا التقليدية جميلة وهانئة؟ وكم نفتقد كل تلك البساطة التي حرمنا فيروس صغير منها.. إن الأمور الصغيرة والمعتادة التي نعتبرها صوراً لهموم الحياة صارت نعماً نتحسر عليها ونبتهل بالدعاء لعودتها.

كان علينا أن نكون أكثر تقديراً وامتناناً لظروف حياتنا المملة والمرهقة، وأن نحب الزحام في الشارع وطوابير الانتظار، ومشكلات الأطفال في المدرسة، ومقابلة الأشخاص المزعجين، والانضباط الدائم في العمل، وكثرة الاجتماعات والاحتفالات.

لقد علَّمنا العام المنصرم أن نكون أكثر عمقاً في مشاعرنا، وذكاء في إحساسنا وفطنة في وجداننا، وأن نحب كل شيء، وأن نعرف فائدته ومناسبته لنا، وملاءمته لحياتنا.

تعلمنا منه أن الحياة جميلة ببساطتها وتعقيداتها وتناقضاتها.. المهم هو أن تبقى الحياة طبيعية، وآمنة، وسالكة في كل مساراتها التي تعودنا أن نرتادها.