الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

السوريّون.. وداع الطبقة الوسطى

كانت سوريا قبل الحرب ـ التي تعصف بها منذ عشر سنوات ـ تمتاز بالتنوع الطبقي، فيما كانت الطبقة الوسطى تشكل الشريحة الأكبر من المواطنين، وإليها ينتمي العمال والفلاحون والموظفون الحكوميون.

غير أن الحرب لم تترك شيئاً على حاله، فبعد أن هاجر ونزح معظم السوريين عن مدنهم وقُراهم، وتحول الآمنون إلى مشردين، وهبوط عامة الشعب إلى خانة الفقر المدقع، وأيضاً بعد أن دمّرت الحرب البيوت والمعامل والمصانع والمنشآت الاقتصادية الخاصّة والعامّة لتحوِّلَ معظم التجار والصناعيين إلى فقراء مُعدمين، تظهر اليوم طبقة جديدة ممن يُطلق عليهم طبقة محدثي النعمة أو ما ينطبق عليهم تسمية تجار الحرب.

ففي الوقت الذي تنتظم فيه غالبية السوريين في طوابير بانتظار رغيف الخبز، والغاز المنزلي، والمحروقات، التي وإن حالفهم الحظ ببلوغ منافذ بيعها بعد ساعات طويلة، فإنها لا تتجاوز بضعة أرغفة أو عدة لترات لا تسمن ولا تغني من جوع، لشحّها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد جراء التمزّق والعقوبات.


والمفارقة تكمن في أنه خلال الساعة التي يصارع فيها الملايين من أجل رغيف الخبز، تجد ثلة من المتنفذين الجدد يخوضون غمار مزادٍ على سيارات فارهة ممنوعة أصلاً من الاستيراد بقرار حكوميّ، بغية توفير القطع الأجنبي الذي تصارع الحكومة للحفاظ عليه، لتأتي نتيجة المزاد صادمة لذلك الموظف الحكومي الذي أجرى حسبة بسيطة على راتبه كطبيب مختصّ يعمل في مستشفى حكومي، فإذا أراد هذا الطبيب شراء تلك السيارة التي دفع من أجلها 263000 دولار، فإن ذلك يتطلب منه جمع راتبه دون أن ينفق منه سنتاً واحداً ولمدة 440 سنة ميلادية! أما السيارة الأقل قيمة في المزاد وبالحساب ذاته فيتطلب الأمر منه راتب 15 سنة فقط!


في الحقيقة تكمن الصدمة الكبرى في أن هؤلاء ليسوا إلا تجَّار حروب متنفذين، فالبلاد في حالة شلل اقتصاديّ على كافة الأصعدة التجارية والصناعية والخدمية والسياحية، بما لا يدع مجالاً للشكِّ بأنّ هذا الغنى الفاحش لا يمكن تحققه إلا بالفساد، وسرقة قوت الشعب، وجيوب المواطنين، بالابتزاز و«التشليح» على حد التعبير العامي السوري، لتودّع بذلك سوريا الطبقة الوسطى من المجتمع ويتحول أهلها إما إلى فاسدٍ متنفذٍ فاحش الثراء، أو مواطنٍ مسكينٍ فاحش الفقر والحرمان.