السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

بريطانيا.. والدولة الوطنية

خرجت بريطانيا نهائياً من الاتحاد الأوروبي، بعد مفاوضات شاقة كانت سبباً في الإطاحة بحكومة «تيريزا ماي» ومجيء حكومة «بوريس جونسون».

وللعلم فقد استمرت عضوية بريطانيا في الاتحاد 47 عاماً، وفي سنة 2016، جرى استفتاء على البقاء في الاتحاد أو الخروج منه، وجاءت النتيجة لصالح الخروج، واللافت هنا أن الشباب البريطانيين كانوا مع الخروج، بينما كان الشيوخ مع البقاء داخل الاتحاد الأوروبي.

وفور إتمام الخروج قال بوريس جونسون «لقد استعادت المملكة المتحدة حريتها»، وأضاف: «الآن الحرية بين أيدينا».. ترى هل فقدت بريطانيا حريتها على مدى الـ47 عاماً الماضية؟


يمكن القول: إن الدخول في اتحاد دولي أو إقليمي يعني أن تفقد الدولة بعض خصوصياتها وبعض سلطاتها، وفي العام الماضي حين قامت مظاهرات «السترات الصفراء» في فرنسا احتجاجاً على ضعف مستوى الخدمات، تبين من تحليلات عدد من الخبراء الفرنسيين أن بعض جوانب الميزانية والإنفاق يتم إقرارها مركزياً عبر الاتحاد الأوروبي ولا تملك الحكومة الوطنية تغييرها، وسواء صح ذلك التحليل أو ثبت خطأه، فإن الوجود داخل الاتحاد يعني التنازل عن بعض الاختصاصات الرسمية.


المعنى الأعمق لهذا الموقف: أن الدولة الوطنية لا تزال الأهم ولها جاذبية أكثر.. صحيح العالم يمتلئ بصيحات العولمة، لكن ما جرى في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد أن السيادة للدولة الوطنية.

لقد انتخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة على قاعدة «أمريكا للأمريكيين»، والآن نجد تصريحات الرئيس المنتخب «جو بايدن» تركز كلها على استعادة الولايات المتحدة مكانتها ودورها القيادي في العالم، أي الدفاع عن الدولة الوطنية، وجوداً وسيادة ومكانة.

ليتنا ندرك ذلك ونعيه جيداً، فنحن نسمع صيحات في عالمنا العربي تسخر من الدولة الوطنية حيناً وتعاديها طوال الوقت، وفريقاً يعاديها هوساً بالعولمة، التي يمكن أن نترجمها بـ«التأمرك»، وهناك فريق آخر يعادي الدولة الوطنية جرياً وراء «دولة الخلافة»، التي تعني عملياً السقوط في براثن الاحتلال العثماني مجدداً أو اللهث وراء دولة الولي الفقيه.

لقد أثبتت تجاربنا العربية أن الدولة الوطنية هي الأساس في وجدان المواطنين، وفشل تجربة الوحدة بين مصر وسوريا واقتناع الرئيس عبدالناصر أن القبول بها كان متسرعاً، وفشل مشاريع القذافي «الوحدوية»، ثم فشل الإخوان السريع والذريع في مصر وفي دول المنطقة، وتحركات العراقيين ورفض الهيمنة الإيرانية، وغير ذلك كثير.. كل هذا يؤكد أن الدولة الوطنية هي الأساس، لكن ذلك لا يعني الشوفينية التي يمكن أن تصير عنصرية مقيتة، كما لا يعني الانعزال والانكفاء على الذات.