الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

إعادة برمجة

إذا أردت أن تعرف كيف تتمُّ برمجة الوعي الجمعي للأجيال الناشئة، فما عليك سوى مشاهدة مسلسل شهير واحد من المسلسلات التي تنتجها وتبثها كبريات شركات الترفيه في العالم، والتي تمتد أحياناً إلى 10 مواسم كاملة.

ويفضل أن تختار مسلسلات موجهة لفئة المراهقين تحديداً، لتعرف إلى أي مستوى فكري وقيمي وأخلاقي يتجه العالم في السنوات القليلة المقبلة.

البعض يظن أنه يتمتع بحصانة ذاتية منيعة ضد الأفكار التي يتم تمريرها بجرعات مدروسة ومكثفة خلال الحلقات، ويقول بثقة مطلقة:


ـ «أنا أدرك جيداً أن العلاقات الشاذة محرمة شرعاً ومنبوذة اجتماعياً، ومن سابع المستحيلات أن أتقبلها في يوم من الأيام». وهو على الأرجح صادق في كلامه، لكنه لا يفطن للآلية التي تتبعها هذه الشركات في إعادة برمجة عقله الباطن، والتي ترتكز أساساً على استراتيجية التعود، وأعني بها تعويد المشاهد على رؤية مشاهد العري والجنس والعلاقات الشاذة والمحرمة.


في المرحلة الأولى يتقزز المشاهد مما يراه، فيبدأ بانتقاده بقوة، وبمرور الأيام يعتاد عليه، ليصل بذلك إلى مرحلة الرفض الصامت، ومع توالي المسلسلات يبدأ في تقبل القيم الجديدة، ثم يتحول الرفض إلى حياد.

قبل أشهر قليلة صارحني صديق بدهشته وحزنه وألمه من تقبل شريحة واسعة من الجمهور العربي لمسلسل Game of Thrones بكل ما فيه من عُري وجنس وعلاقات شاذة ومحرمة، وإشادتهم المتكررة به.

فقلت له على سبيل السخرية والتهكم: «وهذه الشريحة ذاتها تُقيم الأرض ولا تُقعدها لو وقعت عينها على فقرة قصيرة من رواية تصف قُبلة أوعلاقة طبيعية!».