الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«حاتم علي».. الأستاذ الجامع

على مدى عقد من الزمن والمراقبُ للملفّ السوريّ يجول ببصره وفكره يمنةً ويسرة عن رابط يجمع الفرقاء السوريين، ولو على المستوى الشعبي البسيط، لما اقترفته يد الحرب من تمزيق وتشريد جسدي وفكري، لتبزغ تلك البارقة على المستوى الفنيّ والإبداعي، بظهور المخرج السوري المبدع «حاتم علي».

حاتم علي ـ الذي وافته المنية منذ أيام ـ لم يكن مجرّد فنان أو مخرج مبدع وحسب، بل هو أيقونة تختزل معاناة السوريين بعد عام 2011، كما تختزل معاناة شريحة سورية كبيرة صارت كلمة «نازح» جزءاً من هويتها، وذلك بانتمائه لأبناء الجولان السوريّ المحتلّ، الذين نزحوا عن أراضيهم على خلفية العدوان الإسرائيلي عام 1967، ثم بعد أن اندلع الصراع السوريّ في عام 2011 اتّخذ موقف المعارض للسياسة السورية في طريقة التعاطي مع الأزمة، ما أدّى إلى فصله من نقابة الفنانين السوريين الرسمية، وتعرضه للملاحقة الأمنية بسبب مواقفه الفكريّة، فاضطر للهجرة واللجوء إلى جمهورية مصر العربية لاستكمال مشواره الإبداعي.

من المعهود في الأعمال التلفزيونية أنْ يركّز الجمهور بشكل عامّ على الممثلين، وفي أحسن الأحوال يتم التنبّه لكاتب العمل، أما المخرج فإنك لتجد من النادر أن يتنبّه له مشاهد عاديّ، ليكسر حاتم علي هذه القاعدة وتُعرف الأعمال الناجحة باسمه ويُعرف بها، لما غُلّفت به من الإبداع، الذي جعل تلك القصص والحقب التاريخية الدارجة والشهيرة تبدو وكأنك تسمع بها لأول مرة.


كل تلك العوامل لا يستطيع أحد إنكارها أو الجدال فيها، فلو سألت الناقد الفني المتفحص والإنسان العامي الذي لا يخرج عن خانة المتابع العادي الذي يروِّح عن نفسه بمشاهدة التلفاز عن أعظم مخرج سوري ليقول لك وبدون تردد: «حاتم علي»، فضلاً عن المتابع العربي الذي لا تخفى عليه ريادة الدراما السورية عموماً.


ولكنّ المفارقة الكبرى والحقيقية وبعيداً عن ذلك الإبداع الفني والشخصية المهنية الرائعة، التي لم ينتقدها عدو ولا صديق في الوسط الفني الذي يُعد من أكثر الأوساط المهنية شراسة وتكتلات ومنافسات، تكمن في اجتماع الشعب العربي عموماً والشعب السوري على وجه الخصوص بكل شرائحه وطبقاته وأوساطه وهوياته السياسية والطائفية على حالة الحزن والفقد لقامة مبدعة.

لقد خيّم الحزن على الجميع، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى السوري المحلي - خلافاً للمعهود - حالة من التجاوز التامّ لأي مسميات سياسية وحزبية وطائفية لصالح القيمة الفنية والإبداعية، لتختزل شخصية «حاتم علي» النازح المعارض اللاجئ المبدع شخصية الأستاذ الجامع.