الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الاجتهاد متاح.. ومشروط

ما من شك أبداً في أن نصوص القرآن الكريم ثابتة، أي قطعـيّة الثبُوت والدّلالة، وإذا كانت كذلك، فعندها لا اجتهاد في الأحكام الواردة فيها، أما إذا كانت ظنيّة الدلالة، أي قابلة للتأويل، فالاجتهاد فيها جائز، وكذلك السنة المطهرة، فيها ما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، وهذه أيضاً لا اجتهاد في أحكامها، ومنها ما هو ظني الثبوت أو الدلالة، وهذه يجوز الاجتهاد فيها بضوابط عقلية مهمة..

التاريخ سجل أن الصحابة الكرام، رضوان الله تعالى عليهم، بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وحاجتهم إلى بيان حكم الشريعة في النوازل التي طرأت عليهم، بسبب اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وتفرق العلماء، واختلاف العادات والأعراف في تلك البلدان؛ اجتهدوا في الوقائع، ولجأوا إلى الجمع بين العقل والنقل، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، وبينوا طريقه، والأمثلة لا تنتهي..

لعل أبرز مثال على ما تقدم ذكره، هو أقرب ما حصل للصحابة، رضوان ربي عليهم، بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، وأقصد هنا تعيين خليفة من بعده، في أهم واعظم عملية اجتهادية؛ فلا القرآن الكريم نص على الخليفة القادم وآلية اختياره، ولا المصطفى، صلوات ربي وسلامه عليه، قام بذلك، وهذه الحال أوجبت على الصحابة الاجتهاد وبذل غاية الجهد في ترتيب حياتهم، ووجدوا رضي الله تعالى عنهم، مفتاح الترتيب المطلوب، في أمره صلى الله عليه وسلم، سيدنا أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، بأن يؤم الصحابة في الصلاة، أيام مرضه الأخير، فاستعملوا القياس على ذلك، في ترشيحه وتوليته عليهم، إضافة إلى أسبقيته المعروفة، في الصحبة وفي الإسلام..

من المهم أن نعرف أنه ليس كل أحد مؤهلاً لأن يجتهد، وللعلماء شروط معينة ينبغي أن تتوفر في المجتهد، فـرداً كان أو جماعة، في مقدمتها العلم بأحكام الدين، والاستناد إلى الأدلة الشرعية، والقدرة على التصور التام للمسائل المطلوب أن يتم الاجتهاد فيها، والقدرة على إعمال آليات الاجتهاد، والتدرب على ذلك، وعدم إهمال الاطلاع على جهود السابقين في هذا الأمر.

والاستئناس بما قاله الإمام الشاطبي في الجزء الخامس من كتابه المشهور (الموافقات): «إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها».