الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ازدواجية ديمقراطية

عودتنا الأحداث حول العالم أن ما يكشف ويعلن لحظة وقوع الحدث، أقل كثيراً مما يتم السكوت عنه، فضلاً عن أن ما يعلن يكون غالباً ملوناً بمواقف الأطراف المختلفة، لذا يبقى كثير من التساؤلات معلقاً وعابراً للأجيال، ونحن في منطقتنا العربية خبرنا ذلك طويلاً في العديد من الأحداث الكبرى التي عصفت بنا.

ما جرى يوم الأربعاء الماضي ـ السادس من يناير الجاري ـ داخل مبنى الكونغرس في «واشنطن»، يثير الكثير من التساؤلات حول تلك المجموعات من المتظاهرين المناصرين للرئيس ترامب، الذين اقتحموا المبنى لتعطيل جلسة التصديق على فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية، وكان بينهم مسلحون، تسببوا في مقتل خمسة وسرقوا بعض الأشياء، ومزقوا أوراق المجلس، وجلس أحدهم على مقعد رئيس المجلس ممدداً رجليه على المكتب، وغير ذلك من المشاهد العديدة التي تابعناها جميعاً.

داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أوروبا، جرت إدانة هذه العملية، وتم تحميل الرئيس ترامب مسؤولية ما قام به أنصاره، ولم تتوقف التداعيات داخل الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة.


ما حدث هو نوع من الفوضى والإجرام، ولكن يجب طرح مجموعة من التساؤلات، لعلّ أهمها: أن ما جرى يوم الأربعاء الماضي، جرى مثله، بل وأبشع منه بكثير في بعض بلدان المنطقة، فقد حوصرت مؤسسات رسمية لمنعها من العمل، وتمّ الاعتداء على مقرات رسمية، مجلس الشورى في مصر سنة 2012 نموذجاً، ليس هذا فقط، بل اغتيل أو هدد بالقتل بعض رموز المؤسسات الرسمية.


في الإعلام الأمريكي والغربي عموماً، وكذلك بالنسبة للمسؤولين الكبار تمت إدانة ذلك، أما في بلداننا فقد اعتبر حالة ثورية يجب مساندتها، وأن من قاموا بها «ثوار» يستحقون الدفاع عنهم، وتحويلهم إلى رموز وأيقونات، والكف عن ملاحقتهم قانونياً وقضائياً.

ليتنا نتذكر مقولة «كوندليزا رايس» عقب سرقة وتدمير المتحف العراقي بالكامل، فقد قالت: «هي أشياء تحدث في تحقيق الديموقراطية».

وينطلق المحللون ليفسروا ويجعلوا من «هؤلاء الثوار»، ضحايا أبرياء للفقر والعوز أو ضحايا الاستبداد والقهر والتهميش، ويصبح علينا أن نهلل لذلك، أما ما وقع داخل الكونغرس فتتم إدانته فوراً وملاحقة من تسببوا به.

مرة أخرى، ما وقع حول وداخل الكونغرس الأمريكي جريمة متكاملة الأركان، لا يمكن لإنسان سوي أن يحاول تبريرها أو الدفاع عنها، لكن لماذا الإصرار على الازدواجية، حتى في المعايير الديمقراطية؟ أم أنه لا يوجد نموذج مطلق ومعولم للديمقراطية، ومن لا يخضع له أو يلتزم به يكون مصيره الإطاحة أو السجن، وربما القتل؟!