الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إعلام البوم والغربان

مجتمعاتنا تحتاج إلى الأمل الفسيح الواسع، الذي يطلق الطاقات ويحرك الهمم، ويشعل العزائم، لتبني نهضتها، وتعيدها إلى مكانها ومكانتها.. نحن نحتاج إلى الأمل بنفس درجة احتياجنا للموارد المادية، فالأمل هو الذي يوجد تلك الموارد، ويفجِّرُها، ويعظّم من تأثيرها، ويضاعف فوائدها.

لكن للأسف الشديد تسلطت على مجتمعاتنا مجموعة من البوم والغربان، تلاميذ مدرسة «الكلب» في الإعلام، من أولئك الذين لم يتعلَّموا من الإعلام، باتساع فنونه ونظرياته، إلا أن الخبر الحقيقي الذي يمثل سبقاً إعلامياً: تلفزيونياً أو صحفياً، ليس هو أن كلباً عض إنساناً، فهذا طبيعي، وليس خبراً، وإنما يكون خبراً عندما يعضُّ الإنسان الكلب، فانحصر فكرهم وتدريبهم، وتمحورت عقولهم في الكلب، وأصبحوا تلاميذ نجباء في مدرسة الكلب.

هذه الطبقة من الإعلاميين تحتكر كثيراً من وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، كل همها واهتمامها الإعلانات الاستهلاكية، الغرائزية المدمرة للنفوس والقيم والأرزاق، والعوائد التي تحصلها القنوات الخاصة من الإعلانات، والتي يصب نصيب وافر منها في الحسابات الشخصية للمنتمين إليها، يقتاتون من دماء وآلام الفقراء، والبسطاء وعوام الناس، لا يشغل بالهم مستقبل شعب، أو آمال وطن، يجرون وراء الخبر الكلبي بغض النظر عن تأثيره أو تداعياته، لذلك أصبحوا كالبوم والغربان، يهللون ويسعدون كلما حدثت مصيبة، أو وقعت كارثة، تجدهم في غاية الحيوية عند حدوث التفجيرات، وإزهاق الأرواح، وكأنهم في عرس تلفزيوني.. كلهم همَّة ونشاط، في التحليل التفسير والتأويل، والتنبؤ، دون أن يدركوا أنهم يحطمون نفسية شعب، ويقتلون الأمل فيه، وينشرون القبح والتجهم على وجوه البشر.


هذا النوع من البوم والغربان أصبح خطراً على مجتمعاتنا، لأنه لا يستطيع أن يعيش ويتكاثر، وينتشر إلا في الخرائب والمقابر، وعلى جثث الضحايا، والمشكلة أن أولئك البوم والغربان، هم الذين يقودون المثقفين، وأساتذة الجامعات، والمبدعين، وعلماء الدين، بحكم أنهم يملكون مفاتيح الشهرة، ومخازن المال.


نتيجة لذلك، ظهرت هناك طبقة من مثقفي التلفزيون، وعلماء التلفزيون، وأساتذة التلفزيون، الذين تجدهم في ثلاث قنوات في وقت واحد، وكأنهم صنف من الجن، أو أنهم مستنسخون.. لقد أصبح هؤلاء المثقفون والمحللون شركاء للبوم والغربان في تخريب المجتمعات، يجاملونهم ويسايرونهم، حتى يكونوا على موائدهم في المرات المقبلة، لقد أدمن إعلام البوم والغربان الحديث عن السلبيات ومواطن الفشل، وتضخيم الأزمات، ونشر الفضائح، والرذائل في المجتمع، وكان جزءاً أصيلاً في أزمات العرب، ولم ولن يكون جزءاً من حلول هذه الأزمات، طالما ظل البوم والغربان يطلون علينا صباحاً ومساء.