الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

معارك الحنين.. وشواهد السنين

من منا لم يهرع إلى شواطئ الذكريات، ومرافئ رحلته مسترجعاً ومتأمِلاً ما فات من شواهد ومشاهد حياته التي شكلت رحلته الأرضية بحلوها ومرها، بعد أن حلت الجائحة ضيفاً ثقيلاً بلا موعد قدوم ولا يوم للرحيل معلوم، تبدلت معها معالم وعوالم حياتنا في أقل من عام.

خلال أسابيع تحل الذكرى السنوية الأولى منذ تصدرت بيانات منظمة الصحة العالمية الشاشات والمنصات في مارس 2020، وأضحت الجائحة واقعاً أليماً وليس أضغاث أحلام.

خلال أسابيع ستحل ذكرى العدوان الكوروني على الأخضر واليابس في كوكبنا، واحتلالنا بالخوف والتوجس، وإيقاف نبض الحياة حتى إشعار آخر، عدوان لم يترك لنا سوى الحنين لنخوض معركته بعيداً عن أم المعارك «كورونا».


في معارك الحنين وشواهد السنين، ذكريات تتزاحم، تتبعثر بين البحث عن هويتنا وجذورنا، معالم وجودنا، مراتع طفولتنا، رفقاء دربنا، صباحات ومساءات الزمن الجميل، حكايا وخبايا النقاء، ولا نصيب فيها للزيف، فحين يشتعل الحنين تبدأ شواهد السنين بالتساقط، لنقف على الأطلال علها تمنحنا بعض الأمل بأن الحياة ستعود بعدما أصاب المجرة من موت شبه سريري.


في معارك الحنين وشواهد السنين، أدركنا الفرص الضائعة من لقاء ووصال، وتغافل وتجاهل، وصفح وتسامح، والمضي بسيف الرحمة أكثر من سيف العدل بعيداً عن معارك الرحماء، أدركنا كم نزعنا من الحياة رحيقها حين أخذتنا المشاغل والشواغل، ووهم الطموحات إلى اللاعودة.

في معارك الحنين وشواهد السنين، نتوق إلى بساتين البراءة ومعية الصحبة الدافئة الحانية، والاعتكاف في محراب الوالدين حاضرين أو ذكراهم غائبين، حيث تتدفق ينابيع الحكمة وتضيء شهب الذكاء، وتعلو ترانيم التسامي والوفاء، وتدرك كم كنت واهماً حين أصبحت كالطيور المهاجرة معلقاً في طائرة الغربة.

يقول دوستويفسكي: «بعد مُنتصف الليل تبدأ أول معارك القلب، إما بالحنين أو المواجع، وكلاهُما قاتل»، والآن، ومعركة كورونا لم تضع أوزارها بعد، هل يا ترى سنعود بعود حميد بعد أن يغادر كوكبنا الزائر الخفي، الشقي، العنيد، الماكر، الذي حصد الملايين بسلالة واحدة متولدة ومتوالدة ومتحولة؟

يقيناً، يبقى باب الرجاء، وفسحة الأمل والعمل، وظلال الصبر والرضا، ودفء حنين الذكريات الرقراق، وفيض شواهد السنين المفعمة بالافتقاد والاشتياق، نفحات ونسمات تُهون قافلة الزمان السائرة بين ممرات وردية ودروب شوكية، وأشجار وارفة، وصحراء قاحلة، فدوام الحال من المحال.