الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

فرنسا.. والحرب في الساحل

خلال أسبوع واحد، قتل خمسة جنود فرنسيين في منطقة الساحل، يشاركون في عملية «برخان» الفرنسية لمحاربة الجماعات الإرهابية هناك، وكانت لهذا الخبر تداعيات سياسية كبيرة، إذ أعلنت السلطات الفرنسية تقليص حجم وجودها العسكري في منطقة الساحل، حيث سيتم الإعلان رسمياً عن هذا القرار خلال قمة دول الساحل التي ستعقد في إنجمينا عاصمة تشاد الشهر المقبل.

وبشكل رسمي تنفي السلطات الفرنسية أن قرارها جاء نتيجة الضربات الإرهابية التي يتعرض لها جنودها، وتقول: إن قرار التقليص اتخذ قبل الهجمات الإرهابية.

وجاء القرار تطبيقاً لاستراتيجية فرنسية تلعب على واجهتين، الأولى: إقناع دول أوروبية بالانخراط الفعلي في هذه الحرب على الإرهاب، وقد بدأ تطبيق هذه الخطوة عن طريق إطلاق قوة «طاكويا» (قوة تشارك فيها عناصر أوروبية)، لكن الدول الأوروبية لا تزال متحفظة على الانخراط الفعلي في هذه المعركة، كون أن مسرح الأحداث يشكل الحديقة الخلفية للمصالح الفرنسية، فباستثناء دعم لوجيستي متواضع، لا يشارك الأوروبيون في العمليات الحربية الميدانية ضد الإرهاب. الواجهة الثانية تكمن في القناعة الفرنسية بأن هذه الحرب على الإرهاب يجب أن تكون من مسؤولية الدول الأفريقية لإبعاد الاتهام بالتدخل الأوروبي في أفريقيا ذي النكهة الاستعمارية، ولجعل هذه الدول الأفريقية تدافع عن أمنها واستقرارها في مواجهة آفة الإرهاب، لكن إلى الآن واجهت هذه الدول الأفريقية تحديات تجعل مشاركتها في هذه الحرب عبارة عن هفوات بنيوية تعاني منها على مستوى التسلح والتمويل والتكوين والموارد البشرية.


وتعيش السلطات الفرنسية وضعاً لا تحسد عليه في منطقة الساحل، فهي أمام تناقضين، الأول أنها مرغمة على تقليص وجودها العسكري بسبب تنامي الغضب الداخلي أمام الخسائر المتزايدة، واستغلال بعض المجموعات السياسية هذه الورقة لإضعاف الداء السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون. والثاني أنها مجبرة على البقاء هناك انطلاقاً من قناعة عسكرية واستراتيجية مفادها: أن انسحاب فرنسا من هذه المنطقة يعني سقوط هذه الدول في عجلة الجماعات الإرهابية المسلحة الداعشية.


بالإضافة إلى هذا، تواجه فرنسا تحديّاً جديداً يكمن في رغبة بعض الدول الأفريقية بالتفاوض مع هذه الجماعات الإرهابية للتوصل إلى تفاهم سياسي ـ أمني معها، وهذه المقاولة ترفضها باريس بقوة، وتعتبرها استسلاماً للإرهاب، ولمنطق العنف والقوة.