الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المسموح والممسوح!

بين نظري ونظريتي، أظن أن الإنسان يُصاب بالعمى في حالتين فقط، إما عند تعرضه للظلام الشديد، وإما عند مواجهته للإضاءة الشديدة، عدا ذلك فالأعمى هو من لا يرى الخير في أرواح البشر، ومن لا يستطيع رؤية أي شيء سوى الشر، فليس البصير من يرى الأشياء حوله، وإنما من يدرك فعله ويحسب قوله، ففي الواقع إننا لا نحتاج دائماً إلى عيوننا حين نبصر بقلوبنا، ولكننا نحتاج حتماً إلى قلوبنا حين نبصر بعيوننا، ويا حبذا لو أبصرنا بالاثنين معاً أي قلوبنا وعيوننا، أليس كذلك؟

كان (عبدالسلام عامر) عامراً بالسلام، كثير الأحلام، قليل الكلام، جاء من الدار البيضاء، بروحٍ بيضاء، وقلبٍ وضَّاء، يزيل الضوضاء بأجمل الألحان، فقد عاش زمانه في امتحان، بين نجاح وإقصاء وحرمان، وبين انعدام البصر وانغداق البصيرة، وبين إبداعٍ قد حدد مصيره، بعدد سنوات عمره القصيرة، حيث توفي قبل أن يتم الـ40، ولكنه أثبت منذ ذلك الحين، مكانته الراسخة بين الملحنين، والجدير بالذكر أنه عُرف منذ طفولته بالذكاء الحاد، وبذاكرةٍ قوية تفوق قدرة العباد، فقدرته الخارقة على حفظ كل ما يسمع، أبهرت الجميع حوله وأذهلت العالم أجمع، والغريب أنه لم يتعلم العزف على أي آلة موسيقية، وبالرغم من ذلك كان يجيد صياغة الجملة اللحنية، والأغرب أنه دون أن يستطيع رؤية وجهه في المرآة، صنع من ألحانه لوناً أدهش كل من رآه، وليفتخر به أبناء وطنه في المغرب، بل البلدان كلها من المشرق إلى المغرب.

تجاوز (عبدالسلام عامر) خط السياسة المسموح، فاعتقل وسجن وأصبح إنجازه في عداد الممسوح، ولكن تبقى الحقيقة تحتضن سماء اليوم والغد والأمس، لتقر بأن لا شيء أبداً سيطفئ نور الشمس، والدليل على ذلك مقطوعته الخالدة والشهيرة باسم (القمر الأحمر)، والتي أكد لنا فيها بزوغ لحنه كالقمر، بالرغم من تجاوزه للخط الأحمر!