الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«وجبات خفيفة».. فنون إعادة عرض الفنون

جميع المثقفين على اختلاف مشاربهم وأهوائهم ومساحات إبداعهم، لا يقبلون بمرور يوم من الأيام دون الغوص في متعة القراءة والاطلاع، ومهما أشغلتهم الشاشات الكبيرة والصغيرة بالعمل أو بعض القراءات، فهم لا يرضون انقضاء يومهم دون ملامسة الورق واستنشاق رائحته وخصوصية الخلوة مع كتاب بكل روعتها التي قد لا يفهمها مدمنو الشاشات.

لكن الحداثة قادرة على توسيع مساحة حضورها في أيامنا متسلّحة بسلاح الزمن، فلكل زمنٍ أسلحته الفكرية التي لا تتناسق مع أزمان أخرى، فبعيداً عن متعة الكتاب والقراءات والمطالعات، وبعد انقضاء الواجبات المهنية والاجتماعية، يسرقنا الوقت لمساحة نجد فيها الشاشة الصغيرة وقد أصبحت رفيقتنا الوحيدة، نتواصل من خلالها وننجز الكثير من الأمور، ونعرف ما يجري في هذا العالم، والشاشة الصغيرة كما يعلم الجميع تستمد نسبة كبيرة من قوتها ونفوذها من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي التي أصبحت من لغات العصر الأساسية والتي يجب علينا إتقان التحدّث بها، وهي كغيرها من اللغات والأدوات، فيها الصالح والطالح، والعاقل من يعرف كيف يستفيد منها ويُفيد دون ضرر أو سلبيات.

كثيرة هي الأمور التي تروقني خلال متابعتي لجديد المنصات الاجتماعية، لكن أمراً ما كان في غاية الروعة والشمولية الفنيّة والثقافية، أسعدني بشكلٍ مميز حقاً! أنها مقاطع فيديو قصيرة.. سريعة وخفيفة.. سهلة الهضم سريعة الذوبان.. وهي التي يشاهدها ملايين المتابعين حول العالم في فترة المساء للمرح والفكاهة، وهذا أمر جميل وصحي أن تنهي يومك بجرعة من الضحك المفيد للصحة والمقاوم للكآبة والقلق. لكن الفئة التي راقتني حقاً هي تلك المقاطع المصنوعة بشكلٍ فنيّ إبداعيّ رائع لمختارات من روائع الأدب العربي، إنها تجربة مختلفة عن القراءة ولا تغني عنها! لكن لها لذة خاصة.. خاصة وأنها «وجبات خفيفة»، فهنا مقطع من 30 ثانية لجزءٍ من قصيدة رائعة للشاعر محمد مهدي الجواهري، مصنوعٌ بدقة وفن صوتاً وصورة وكتابة.. جعلني أستمتع حقاً بالمقطع.. وأعيد سماعه مرةً تلو أخرى.. ثم أتى نزار.. ودرويش.. وباقة جميلة من عيون الشعر العربي أسعدتني حقاً.

إن «إعادة عرض الفنون» بشكلٍ جديدٍ وفريد هو فنٌ صعبٌ وخاص بحد ذاته، شكراً لمن يصنع لنا هذه المتعة.