الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

التحدي ليس في عقولنا

كان فيما مضى يتم إرجاع كل عملية إبداع وتميز إلى قوة العقل بمعنى يتم وصف كل شخصية قدمت اختراعاً أو تطويراً وتحديثاً بأنها عبقرية، ولكن يتضح لنا اليوم خصوصاً مع تطور التقنيات الطبية التي اهتمت بدراسة المخ والأعصاب، وأيضاً تطور العلوم النفسية التي قامت بدراسة الذكاء البشري ووضعت محددات للذكاء وقياسات في هذا المضمار، يتضح أن العبقرية لا دخل لها في كل هذا السيل من المخترعات ولا المبتكرات، وأن من يقف خلف هذا الزخم هي عقول تتمتع بذكاء متوسط اعتيادي وليس خارقاً للعادة، كما صور لنا فيما مضى. أيضاً نقرأ بين وقت وآخر عن شروط ومتطلبات ليتمكن الفرد من أن يصبح مخترعاً أو مبتكراً، بل حتى ليكون مبدعاً، وهناك من يضع قائمة متنوعة طويلة بمتطلبات النجاح والتميز، وبات واضحاً أن مثل هذه الشروط والمتطلبات ما هي إلا عوائق وعقبات يتم وضعها في الطريق لتمنع وتحد من النجاح والتفوق، ومعها يتم نسيان العمل وتجاهل الفاعلية لتحقيق المنجزات والشغف بتقديم مبتكرات. أتذكر كلمات للفيلسوف أنطونيو جرامسكي، توضح جانباً من الركون لشعارات العبقرية والذكاء وتجاهل الواقع الذي يحتاج إلى العمل لتقديم التميز، عندما قال «أنا متشائم بسبب الذكاء، ولكني متفائل بسبب العزيمة».

هذا الفيلسوف يشير إلى نقطة جوهرية في تشاؤمه بسبب الذكاء، لأن هذا الذكاء لا قيمة له إن تجرد من الفاعلية ولأن هناك من يركن له وحده، وعندما يقول إنه متفائل بسبب العزيمة، فهو يشير إلى العمل والبحث والتقصي، يشير إلى الحماسة لتحقيق النجاح. ويمكن النظر إلى عالم في مجال الطب أو الكيمياء أو الفيزياء، وهو في بحث متواصل في المعمل أو المختبر، ويسخر المعارف التي اكتسبها للتطبيق وعمل تجارب ووضع نظريات علمية، وعندما يضع يده على مخترع جديد أو كشف علمي غير مسبوق تنهال عليه الإشادات وكلمات المديح، وما حققه ليس نتيجة لعبقرية بقدر ما هي نتيجة لعمل مضنٍ أفنى العمر لتحقيقه. وهذا لا يلغي أهمية الذكاء ولكنه يبقى دون فاعلية ودون أي قيمة حقيقية عندما لا يستخدم في مضماره لخدمة البشرية. التحدي ليس في عقولنا، بل في علمنا وتفكيرنا وعملنا المستمر والمفيد والفعال.