السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تنظيم لا قطع

الإنسان كائن اجتماعي، أعتقد أنكم سبق وسمعتم بهذه الجملة بطريقة أو أخرى مرات عديدة، ولعل المشكلة الحقيقية في حياتنا هي هذه الغريزة الاجتماعية، لأن كثيراً من الخلافات والتباينات بل والمشاكل تقع نتيجة لحياتنا الاجتماعية المكثفة والمتداخلة والمندمجة مع الآخرين. ورغم هذه الطبيعية البشرية إلا أن هناك من يقف ضدها ولا يؤيدها، بل ويدعو لتجنب الاختلاط بالآخرين، وأن أساس بناء النفس هو بالتوجه نحو تنمية المعرفة والتعلم والتي لا تتحقق إلا بمنح الوقت الطويل لها، وهذا يعني التخفيف من مختلف الواجبات الاجتماعية التي لا تخفى علينا.. في هذا الجانب نجد إرثاً لدى مختلف الشعوب والأمم يحث على تقليل الزيارات واللقاءات، مثل تلك المقولة الشهيرة والتي تعد واحدة من أهم الأمثال القديمة التي تنظم العلاقة مع الآخرين والتي جاءت في كلمات موجزة ومحدودة ولكن مباشرة وواضحة: «زر غباً تزدد حباً» وهذه المقولة التي ذهبت مثلاً، لها قصة تتلخص في رجل يسمى معاذ بن صرم الخزاعي، وكان كثير الزيارة لأخواله، وسكن معهم فترة من الزمن هرباً من قومه لقتله أحدهم، وفي أحد الأيام خرج مع مجموعة من أبناء أخواله للصيد، فاختلف مع أحدهم واسمه الغضبان، الذي قال له: أما والله لو كان فيك خير لما تركت قومك، فقال معاذ: زر غباً تزدد حباً، فكانت مثلاً يتم تناقله حتى اليوم، باقي القصة عاد معاذ لقومه ودفع دية القتيل.. والشاهد هو الإقلال من الزيارة والإقامة عند الأقارب، وليست دعوة للقطيعة كما قد يتخيل أو يتصور البعض، بل هي ترتيب للكيفية المثلى في بناء أواصر المحبة والألفة مع الآخرين، وإذا كانت مثل هذه الحالة في الأقارب فكيف هو الحال أو الوضع بين الأصدقاء والصديقات، وما يتم خلالها من زيارات وجلسات تكاد تكون يومية، وخلالها يستهلك الكثير من الوقت الثمين الذي لا يمكن أن يتم تعويضه، وندرك أنه يحدث تبعاً لذلك الكثير من الخلافات والمشاكل والتي يستمر بعضها لوقت طويل، هي دعوة لتنظيم علاقاتنا الاجتماعية في عصر يتسم بالسرعة في مختلف شئون الحياة، وليس قطع العلاقات مع الآخرين.