السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حراك السترات الصفراء.. في سنويته الأولى

حراك السترات الصفراء.. في سنويته الأولى

د. مارك لافيرني

قبل أيام، احتفلت حركة «السترات الصفراء» بالعيد الأول لتأسيسها.. فما الذي تبقى من هذه الفورة الشعبية المفاجئة لشريحة عريضة من المجتمع، التي لا تزال تلقى الدعم من نصف الشعب الفرنسي؟.. ربما يكمن سر نجاحها في قدرتها على التعبئة والتحشيد، وهو ما أجبر الرئيس إيمانويل ماكرون على توزيع ما بين 10 و12 مليار يورو من أموال الدعم والمساعدات الاجتماعية على مستحقيها.

وأصبحت هذه الحركة رمزاً لاستياء حشود شعبية ضخمة حول العالم من الاتجاه نحو العولمة، وتبدو النتائج الاجتماعية لهذا التوجه وكأنها تتقاطع مع بعضها، فهناك نظرتان وفريقان مختلفان هما: النخبة الدولية الناجحة من جهة، والشريحة الواسعة من العمال الزائدين عن الحاجة والذين تأثروا بالتطور التكنولوجي من جهة ثانية، وبينهما تقع الطبقة المتوسطة التي خسرت موقعها باعتبارها تشكل العمود الفقري للدولة، التي بقيت محرومة من وظائفها التنظيمية.

ولهذه الأسباب يمكن القول: إن اللعبة لم تأتِ على نهايتها بعد، ودليل ذلك هو أن فرنسا ذاتها تنتظر تنفيذ إضراب عام يوم 5 ديسمبر المقبل، بالإضافة لعدد من البلدان الأوروبية التي ستحذو حذوها، حيث من المنتظر أن يعبر المواطنون عن غضبهم وإحباطهم عن طريق الهتاف ضد المهاجرين والتجمعات السياسية الإسلامية، حتى وإن لم يعلنوا جهاراً عن رغبتهم في الانفصال عن الكيان الاتحادي، ولم يعد ظهور هذه الطلائع المتمردة مقصوراً على أوروبا وحدها.


والشيء المثير للصدمة رغم تنوع مطالب المتظاهرين، هو الإدانة المفاجئة للحكام جميعاً، وفي معظم بلدان العالم بدعوى عجزهم عن الحكم وفسادهم، وهناك مطلب عام بالعودة إلى الدولة الوطنية باعتبارها الكيان الذي يمكنه تحقيق رفاهية الشعب.


ومن جهة أخرى، فإن من الواضح أن هذه الانتفاضات أو حركات التمرد تحرم القادة الجدد من الظهور والبروز في المجتمع، وهو ما يجعل التفاوض من أجل إيجاد مخارج للأزمات أمراً بالغ الصعوبة، وربما تمثل هذه الظاهرة أحد الأعراض الجانبية للدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي، التي منحت كل إنسان الفرصة للتعبير عن مواقفه وانتقاد وإدانة كل شخصية جديدة تحاول منح هذه الحركات فرصة أكثر طولاً للبقاء.

وهذا يتوافق مع تعزيز القيمة المبالغ فيها للفرد بدلاً من النظر إلى قيمة العمل الجماعي، وذلك يعني أيضاً أننا نعيش زمن «الشخصنة» والاستهلاك الضخم المعزز بضغوطات الإعلان الذي يمجد الفردية والتنافس.

وهكذا، وفيما نحن منشغلون بتحطيم عقود من التشرذم ورفض الوجوه السياسية القديمة، فإن هذه الحركات تبدو تواقة لتقديم الحلول للأزمات التي تواجهها معظم البلدان، وهذه الاضطرابات التي نراها اليوم، لا يمكن اعتبارها انتفاضات جديدة للربيع العربي، بل هي مؤشر يدل على أن المجتمعات العربية أصبحت شريكاً في النموذج العالمي للتعبير عن رفض الطريقة التي تسير بها الأمور، وهي فورات غضب آخذة في الانتشار من دون أن تهيئ الأرضية المناسبة لظهور نظام جديد.