الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي

الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي

د. مارك لافيرني

يوم الاثنين الماضي، 25 نوفمبر الجاري، تصادمت طائرتا هيليكوبتر تابعتان للجيش الفرنسي وتعملان في مالي، ما أدى إلى مصرع 13 عسكرياً هم طاقمهما وفريق العسكريين على متنهما، ويدفعنا هذا إلى التساؤل حول جدوى تدخل الجيش الفرنسي والأوروبي في منطقة الساحل الأفريقي والذي لم يحقق حتى الآن أي نتيجة مهمة.

وقبل كل شيء، دعنا نشير إلى أن هؤلاء الجنود ذوي الحظ التعيس لم يموتوا وهم يقاتلون العدو، ولا دفاعاً عن وطنهم، وتتعلق الأسئلة الجديرة بالطرح وتحتاج إلى إجابة من خلال التحقيقات الجارية حول الحادث، بما إذا كان يعود لعطل أصاب أجهزة الطائرتين أم لخطأ من الطيّارين.

ومهما يكن الأمر، فهذه فرصة يجب استغلالها لمراجعة كل ما يتعلق بالوسائل والأهداف الكامنة وراء هذا التدخل العسكري، وقد سبق أن قامت فرنسا بغزو دولة مالي (وكانت تدعى السودان الفرنسية) وبعض بلدان غرب أفريقيا المجاورة لها في نهاية القرن الـ19، بعد أن دمرت حضارات كاملة كانت تقوم على التجارة الصحراوية خلال القرون الماضية.


وبعد حصول تلك الدول على استقلالها عام 1960، بقيت فرنسا هناك باعتبارها تشكل المصدر الأساس لشرعية بقاء حكامها من دون الاهتمام الكافي بتحسين أوضاع تلك المستعمرات القديمة، وهو ما أدى إلى ظهور حركات التمرد المسلحة بسبب النمو الديموغرافي الفوضوي الناتج عن تخلف النظام التعليمي وخاصة في أوساط الفتيات اللائي كنّ يُجبرنَ مكرهات على الزواج المبكر، بالإضافة لنقص البنى التحتية والخدمات والعجز عن تنويع الاقتصاد الزراعي الرعوي الذي عفا عليه الزمن.


وتضافرت هذه العوامل كلها مع ظاهرة تراجع مساحة المراعي والأراضي الصالحة للزراعة إلى انفجار الصراعات والنزاعات القبلية والإثنية، وخاصة بين مجتمعات الفلاحين والرعاة، ثم تفاقمت بسبب انتشار استخدام الأسلحة الآلية وسوء الإدارة.

وهذا يفسر أسباب اندلاع الحروب التي لا تكاد تتوقف بين القبائل والأقوام الكثيرة التي تستوطن مالي مثل الطوارق والسونغهاي والفيليتا والدوغون، وإن كان بعض الشبّان قد فضّلوا عدم الخوض في هذه الحروب العبثية والتفكير في اللجوء إلى أوروبا عبر رحلة شاقّة تتطلب اختراق المناطق الصحراوية حتى الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم ركوب القوارب الخطيرة حتى بلوغ الهدف.

ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة في دول الساحل كلها وحتى السودان وخاصة إقليم دارفور، وكان علم «الإسلام الراديكالي» هو الوحيد الذي يخفق لإعطاء الشرعية الواهية للمتمردين في تلك المجتمعات الضعيفة.