الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الصين.. ونكران الجميل

شهد عام 2019، حلول الذكرى السنوية الـ30 لسقوط حائط برلين، ولم يكن هناك من شعور احتفالي بارز في مزاج الناس، حتى بدا وكأننا كنا في حالة حزن على عصر أدبر وولى، وكنا نحن أبناء الأمم الآسيوية الشرقية نشعر وكأننا نعيش في أنظمة تتمسك بالحرية والديمقراطية، في وقت كنا نشاهد فيه جدار الصين العظيم وهو يتلوّى أمام أعيننا في الأفق البعيد.

واشتهر «كين شي هوانج» بأنه أول إمبراطور صيني يأمر ببناء هذا السور العظيم، المبني من الأحجار بين عامي 220 و206 قبل الميلاد.

وأما الآن، فيبدو أن السور الجديد الذي يتم بناؤه في الصين ليس مادياً بل إنه مبني بالوسائل السيبرانية والنفسية، حتى أصبح أكثر قدرة على التقسيم والتفريق بين الناس في وقتنا الراهن.


ومؤخراً، سُجلت العديد من حوادث الاعتقال التعسفي بحق رجال أعمال وعلماء يابانيين أثناء زيارتهم للصين من طرف الفروع المختلفة للأجهزة الأمنية الصينية، ولم يتم الكشف في أي من هذه الحالات عن أسباب الاعتقال، ثم لا تلبث السلطات الصينية أن تطلق سراحهم بدعاوى ملفقة بممارستهم للتجسس، وهناك الآن علامات فارقة ومشؤومة تتعلق بنظرة الصينيين للعالم الخارجي.


وأصبحت اليابان حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة في منطقة شرق آسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكنها كانت تحافظ على علاقاتها الودية مع الصين، حتى بعد أن أصبحت جزءاً من «الكتلة الشرقية».

ومنذ شهر ديسمبر من عام 1978، عندما أطلق الحزب الشيوعي الصيني سياسة الإصلاح والانفتاح، كان الاقتصاد الصيني شديد الارتباط بالاقتصاد الياباني، وكانت المعارف والتكنولوجيات التي يتم نقلها من اليابان، تشكل حجر الزاوية لما يعرف باقتصاد السوق الاشتراكي الذي تبنته الصين، وكانت الأموال التي قدمتها الحكومة اليابانية للصين في إطار«المساعدة التنموية الرسمية» قد حققت الدفعة اللازمة لإقلاع الاقتصاد الصيني.

لقد ذهبت تلك الأيام وولت، وأصبح اليابانيون يرون بوضوح كيف أن الصين تتحول يوماً بعد أيام إلى كيان تبرز فيه صفات المكابرة والتعسف.

وفي الأيام الغابرة، دأبت الصين على منح الأجانب مساحة متواضعة للتنفس في فضائها العامر بالممنوعات والموجه تماماً من قبل الدولة، وكأنها كانت تحرص على إبقاء بعض الجيوب الضيقة لاستقبال الناس الآتين من العالم الحر.. أما الآن، فيبدو أنها قررت إغلاق تلك الجيوب المتبقية لاستيعاب بعض معاني الحرية، وأن تطلب من حملة كل الجنسيات التعبير عن خضوعهم التام لسلطتها.

وهناك مؤشرات واضحة تدل على أنها بصدد توسيع رقعة العمل بهذه السياسة الرعناء في تغطياتها الصحافية، وحتى في النقاشات التي تدور في قاعات المناقشة التابعة للجامعات اليابانية والغربية.

وإذا تابعت العمل في هذا الاتجاه، فلا بد أن تصل الأمور إلى النقطة التي سيتوجب فيها، على اليابان أن تختار بين عالمين، فإما أن تبقى داخل حدود سور الصين العظيم أو أن تبقى خارجها.