الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

عندما يكون الشعر صادماً

تقول الشاعرة إيميلي ديكنسون «عندما تقرأ نصاً فتصيبك تلك الرعشة، فأعرف أنك تقرأ شعراً» ونصوص الشاعر التشيلي فيسنتي هويدوبرو تصيبك بتلك الرعشة والدهشة اللذيذة، إذ تجد نفسك أمام كتابة مرتبطة بتجاربنا في الحياة.. كتابة تحتفي بالفرح وتنبذ كل ما له علاقة بالحزن والفقد.

وفي كتاب «زلزلة السماء» ترجمة عاشور الطويبي نقرأ للشاعر فيسنتي هويدوبرو نصاً شعرياً طويلاً مفتوحاً على فضاءات عدة، وكأن الشعر هو الجواب عن كل الأسئلة، مثل: الموت والحياة، الذكريات، النسيان، الوحدة، التعب، القلق والتأمل في أسرار الكون.

كم من الأشياء ماتت داخلنا، وكم موت نحمل بداخلنا، ولماذا نربط أنفسنا بموتنا؟، ولماذا نصر على البعث من الموت؟.. إنه يجعلنا لا نرى ولادة الفكرة.. نخاف من بزوغ ضوء جديد لم نتعود عليه بعد، مثل حركاتنا الميتة، متخلصين من كل شيء وخطر المفاجأة، لابد للمرء أن يترك الشيء الميت للأحياء.


في عام 1893 ولد فيسنتي هويدوبرو فرنانديس بسانتياغو تشيلي، وفي عام 1948 توفي في بيته بكارتاخينا «قرطاجنة» وحقق الأصدقاء رغبته بدفنه في مواجهة البحر وكتب على شاهد قبره «انظر إلى عمق القبر تشاهد البحر».


بعفوية تنطلق مفردات الشاعر وكأنها تفرش الطريق إلى القارئ، وتتوقع أن يقع في غرامها، وهذا ما حدث معي عند قراءة الكتاب، هذه أول مرة أقرأ للشاعر فيسنتي، وحتى عندما وضعت اسمه في محرك البحث غوغل لقراءة المزيد من نصوصه وبعض من حياته لم يستطع التعرف إليه، وهو القائل: مشينا كثيراً/ الأضواء الكاشفة/‏‏ بحثت في هذا الاتجاه/‏‏ تقاطعت مع بعضها في اللانهاية/‏‏ حيث بعضها/‏‏ وافترقت إلى الأبد.

في مقدمة الكتاب صنف الشاعر الليبي الراحل محمد الفقيه صالح هذا النص الشعري الطويل في باب الشعر الكوني، إذ يتدفق بإيقاع ملحمي جليل، ويموج عالمه بكائنات يمتزج فيها الواقع بالفانتازيا. الشعر في هذا النص الطويل صاعق ومؤلم ونبيل حينما يتدثر بالحقيقة العارية، وكأنه يستنهض في القارئ شجاعة مواجهة العبث واليأس واللاجدوى، متوسلاً الرمز والصورة المدهشة الغريبة والأسطورة والإيقاع الهذياني المحموم، مراوحاً بين التخفي في سراديب المخيلة الوحشية وذاكرة الوعي الإنساني المهجوس بالفجيعة، وبين الانكشاف على بساطة حقيقة الموت المرعبة وبداهتها الغامضة بل والصفيقة.

دعي ذاكرتك تنسى ذكرياتك/‏‏ دعي النسيان يتذكر المنسي/‏‏احرصي على ألا تموتي قبل موتك.