الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

تعلُّم الخلاف يوسع الصدر

تعلُّم الخلاف يوسع الصدر

عبدالله فدعق

الأصل في المذاهب الفقهية الإسلامية هو التكامل والسعة، وكلها تنتسب إلى الشريعة الإسلامية بالنسبة نفسها، وكما قال الإمام عبدالوهاب الشعراني في كتاب الميزان: «الشريعة كالشجرة العظيمة المنتشرة، وأقوال علمائها كالفروع والأغصان»، ومن سنحت له فرصة الاطلاع على الكتاب فسيجد فيه دلائل واضحة على التوفيق الكبير، الذي وصل إليه مؤلفه بين المذاهب المختلفة، وأنها كلها مسالك إلى الجنة وطرق إلى السعادة.

ما ينبغي أن يشاع ويفهم أن الاختلاف في مسائل الاجتهاد والخلاف، يعود إلى طبائع المُكلَّفين وأحوالهم وأزمانهم وبيئاتهم وأعرافهم، ومن المكرر المحمود القول: إنه لا إنكار في المسائل الخلافية، وإن الإنكار منحصر في مخالفة المتفق عليه، ومن حق من ابتُلي بشيء من المختلَف فيه أن يقلد غيره ممن أجاز، ومن استفتى فقيهين عالمين، له أن يأخذ بما يميل إليه قلبه منهما، بل حتى لو لم يمل إليه قلبه.

من المشهور عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز قوله: «ما سرني أن أصحاب النبي سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة»، ومعنى ذلك أن الاختلاف الذي تكون له أسباب وجيهة من دلالات الألفاظ، ومن معقول النص، هي اختلافات حميدة، والتي سماها الشيخ ابن القيم «الخلاف السائغ بين أهل الحق»، وهو نوع من الاختلاف لا حرج فيه، وعلينا إن كنا جادين في تقريب الناس من خالقهم، سبحانه وتعالى، وتقريب الدين إليهم، وتقريبهم إليه، أن ننصت بأفهامنا لتلك الحكمة التي كتبها الإمام أبوعبدالله المقري لابنه «..تعلم الخلاف يتسع صدرك..»، فإذا عرفنا ذلك وصلنا إلى القناعة التامة بأن ما لا نص فيه، ولا إجماع عليه لا إنكار فيه، وأنه لا إنكار كذلك على من اعتقد تحليل أمر اختلف في تحريمه العلماء.


أختم بأن الاختلاف المنهي عنه، والذي يمثله قوله سبحانه تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (الأنفال 46)، هو ذلك الذي يؤدي إلى البغضاء والتدابر والتنفير، وما عداه اختلاف حميد، وعلامة صحية، وإثراء وغنى، وآثاره طيبة ومفيدة، وفيه الحل والعلاج، وعلينا أن نحسن الظن ببعضنا، ونحترم تنوع اجتهادنا، ونحذر جميعاً ممن أراد أن يحمل الناس على رأيه، وهو في الوقت نفسه ضائق بغيره، ومن غيره كذلك.