السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كورونا وقدس الفصح الحزين

هل هي فقط القدس التي أضحى فصحها حزيناً إلى حد الأسى هذا العام؟

الشاهد أن كورونا، ذلك الكائن الضاري المتوحش، قد أفقد الإنسانية كافة، كل طعم للفرحة، وقد سرق البهجة من القلوب والأفئدة، من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن الشمال إلى اليمين، ولا يزال يسرق الأرواح، في كافة بقاع وأصقاع الأرض.

الذين تابعوا بابا الفاتيكان فرنسيس الأيام القليلة المنصرمة، وقر لديهم أن الرجل ذا الرداء الأبيض منكسر الخاطر، متألم مع المتألمين، ولا يملك في مواجهة جحافل الفيروس المتوحش، سوى أن يرفع أكف الضراعة إلى الله تعالى لينهي هذا الألم، ما يعني أن روما المدينة العظيمة بدورها، أمست حزينة، وفصحها أخذ يشوبه طعم المرارة.

لكن القدس المدينة المتألمة منذ عقود، من ربقة الاحتلال الجاثم على صدرها، يكاد منظرها يفطر القلب، فطرق أورشليم مغلقة في وجوه القادمين إلى الأعياد، وأبناؤها من المقدسيين محكوم عليهم بالعزل الاختياري في ديارهم.

القدس، زهرة المدائن، ومنذ العام 1967 تعاني بألم بالغ من محاولات الاحتلال الإسرائيلي تغيير هويتها، وملامحها الجغرافية والديموغرافية معاً، فمن جهة تستمر أعمال الحفائر أسفل شوارعها ومنازلها، وتقام من تحتها الأنفاق، بهدف ظاهر للعيان هو البحث عن بقايا هيكل سليمان الذي هدمه الرومان قبل 2000 عام، ولا يوجد في الفكر المسيحي الصحيح، ما يؤكد حتمية إعادة بنائه من جديد، فقد انتفى الهدف الرئيسي منه، أما الهدف الخفي فهو محاولة هدم ما فوق الأرض، في المنطقة المحيطة بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، حتى تنهدم من تلقاء ذاتها، الأمر الذي يجعل الطريق مفتوحاً لأصحاب فكر الألفية ومن ثم قيام الهيكل الجديد الأبوكريفي.

ديموغرافياً، كانت القدس مدينة عربية عبر تاريخها الطويل، واليوم وبعد 5 عقود من الاحتلال تكاد تفرغ من عربها، مسلميهم ومسيحييهم، دفعة واحدة، فأعمال التهجير الإسرائيلية ماضية على قدم وساق منذ أمد بعيد.

لم تكن القدس إذن في حاجة إلى المزيد من أعمال كورونا المتوحشة لتحول حياة المقدسيين إلى المزيد من المعاناة، وهم الصابرون الصامدون.

على غير عادتها في هذا التوقيت من كل عام، ينظر الناظر فيرى شوارع القدس فارغة من الزائرين، وكذلك كنائسها، وعلى رأسها كنيسة القيامة، بعد أن كان الآلاف من المؤمنين والحجاج يشاركون سنوياً في أيامها وأعيادها المقدسة، والصلوات تتم، إن جرت في الأصل، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ليتابعها السكان.

البيان الصادر عن البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس أكد على أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يشهد فيها عالمنا جائحة، ولهذا فإنهم يحثون الجميع، والمقدسيين في المقدمة، على تحمل المسؤولية كأشخاص مؤمنين وأصحاب نوايا حسنة، وأهمها تقديم العزاء لأولئك الذين يعانون الأحزان، والدعاء من أجل شفاء المرضى، والعمل لمساعدة المحتاجين، ويؤكدون على أن رسالة المسيحيين الحقيقية، هي الحث على تقديم الدعم لبعضنا البعض، ومواصلة الصلاة من أجل جميع الناس خلال زمن الوباء الصعب.

هذا الأسبوع تحزن القدس في أوان الفصح، وعلى بعد أيام قليلة يهل شهر رمضان الفضيل، وهناك في القدس، حيث الأقصى المبارك، تهفو الأرواح للعبادة والأيام الروحانية، فهل يستمر كورونا في فرض سطوته على القدس الحزينة؟

نأمل في عفو الرحمن سبحانه وتعالى.