السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الإنسان الخالد

ليس أشد إيلاماً على المرء من سماع نبأ موت قريب أو حبيب، إنه أمر أشبه باقتطاع جزء من قلوبنا، أمر ننصرع له ونبيت به في حزن مقيم، لكن الله دائماً في الجوار، بذكره والرضا بقضائه تعاودنا الطمأنينة وتلهج أفئدتنا تلقائياً بدعاء صادق لمن فقدناه.

هذه المرة كان الفقد مؤلماً ليس أي ألم، ليس لشخصي فقط وإنما لكامل أبناء الوطن، في فقيد الشباب الشيخ خالد بن سلطان القاسمي، ابن الأكرمين، والذي لطالما أتحفنا بإبداعه وأثره المخلص في خدمة وطنه والدفاع عن أمته.

الخالد أظهرت وفاته ما في قلوب الناس من حب وتقدير تجاه حاكم الشارقة، ليس من مواطني دولة الإمارات فحسب، بل من جميع وفود الدول العربية والإسلامية، وقد لمسنا هذا بالفعل من تلك الحشود الضخمة التي توافدت إلى قصر سموه معزية ومؤازرة.


الخالد تزاحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالترحُّم عليه، ونشر سيرته العطرة، حيث شاع الحديث عن تواضعه ورسائله الفنية المشهودة التي تضمنتها أعماله، وكانت مواقع التواصل الاجتماعي بمنزلة نبض شعبي جارف سرى في صدق معبراً عما تكنه نفوس الناس للفقيد ولذويه من حب وتعاطف.


الخالد أسهم في دوران عجلة التطوير بإمارة الشارقة، عبر إبداعه النوعي ولمساته الفنية الفريدة، والتي أهلته لاحقاً لأن يُعيّن في منصب رئيس مجلس الشارقة للتخطيط العمراني، ليواصل من ذلك الموقع جهوده المبكرة في دفع الإمارة إلى ما هي عليه اليوم من تخطيط معماري مُحكم وجميل.

الخالد سخّر حياته في سبيل بث قضايا أمته والتعبير عن مظلومياتها في كل المحافل الدولية، الخالد الذي لم نره يوماً إلا معتزاً بهويته، معبّراً عنها في تصميماته بعز وفخار، حتى إنه في إحدى مقابلاته قال: «عندما أكون في الغرب يكون وطني في قلبي، وعندما أكون في وطني أحن إلى نشر رسالتي التي تخدم العالم أجمع».

الخالد اختار الفن جسراً يعبر من خلاله إلى قلوب الإنسانية جمعاء، معالجاً ما فيها من عطب، وموقظاً الضمائر من سُباتها عبر لمسات إبداعية وإشارات مقتضبة على تصميماته، لمسات وإشارات جميعها تشهد بما عليه هذا الرجل من فكر وذكاء.

الخالد ذكراه باقية في القلوب وفي العيون عبر مشاهداتنا الدائمة لما تركه من بصمات فنية رائعة في الشوارع والمباني، بصمات ترافق معها إخلاص وحب عميق لهذا البلد، أثمرا في الأخير عن هذا الحب الجارف لشخصه والامتنان له على كل ما قدمه.

والدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والدتي سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، كلنا أبناؤكم، لم نقلها من فراغ، فنحن ترعرعنا تحت ظلكم منذ نعومة أظفارنا في مراكز الأطفال ومراكز الناشئة، إضافة إلى المبادرات التي لا تعد ولا تحصى تحت سقف المجلس الأعلى لشؤون الأسرة.

بكل صدق وحزن نشارككم هذا المصاب الجلل، سائلين المولى عزّ وجل أن يربط على قلبيكما، وأن يرحم الفقيد، وأن يدخله الله فسيح جناته.