الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

ابن يقظان.. العقل والابتكار

«حي بن يقظان» لابن طفيل قصة بديعة تُعلِي قيمة العقل الذي يُميز الإنسان عن الحيوان، فالإنسان يملك قدرة كبيرة لتنمية عقله حتى لو نشأ بين الوحوش والطيور، فابن يقظان نشأ في جزيرة معزولة على يد ظبية أصبحت بمنزلة أمه، فظلت ترضعه وتطعمه حتى كبر، ولم يزل بين الظباء يُقلِّد أصواتها وأنغامها حتى أجاد لغتها، وكان أيضاً يقلد منطق الطير وسائر الحيوانات حتى ألفته.

وعندما بلغ السابعة من عمره أصبح يتأمل في الطبيعة وما يرى من حيوانات تُولَد وتنشأ حتى تكبر، فرأى صغار الظباء، التي يُفترَض أنه واحد منها، تكبر وتنبت لها قرون وتصبح قوية وسريعة، وبقي هو على حاله لا قرون له ولا قوة بدنية ولا سرعة مثل سرعتها، فأدرك أنه مختلف عنها.

حينئذ أخذ يستقل ويبني لنفسه كياناً يميزه عن الحيوانات، فبنى من أوراق الشجر بيتاً يحميه، واتخذ من أطراف الشجر عِصِيّاً يدفع بها عنه الحيوانات، ثم استغرق في التأمل وظل يشاهد الطبيعة من حوله، وما فيها من عجائب حتى اكتشف النار صدفة، وأخذ يُغذِّيها بالحطب والوقود فاكتشف أنها تدفئه في الشتاء فازداد تعلقاً بها، ثم أخذ يلقي فيها ما يرى من أجسام، ومنها الأسماك، لكن السمك عندما نضج هبَّت منه رائحة شهية حرَّكت نفسه لأكله، وعندما أكله استطابه، فأخذ يستخدم النار أيضاً لشيِّ اللحم.


وبعد أن عرف عالم المحسوسات بمشاهداته وتجاربه المختلفة، أدرك أن هناك أشياء لا يمكن الوصول إليها عن طريق الحواسِّ، فأخذ يتأمل في عالم المعقولات ويفكر فيه حتى قاده عقله إلى وجود الخالق، وكل ذلك وهو لا يعرف لغة البشر.


ثم اتفق أن عثر على شخص جاء إلى جزيرته المنعزلة يطلب الخلوة للتأمل في الكون، وبعد أن تعارفا صار الوافد يغرف من علوم ابن يقظان الطبيعية والروحانية، وتعلم ابن يقظان من ضيفه لغة البشر، لكنهما في النهاية عجزا عن تكوين مجتمع بشري صالح بعد محاولات مضنية، فعاد ابن يقظان إلى عزلتِه الروحانية ومحرابه التأملي.

هذه القصة الفلسفية العميقة تؤكد أهمية العقل في الابتكار والإبداع حين تتوافر الثقة بالنفس، وقد أثرت في الفكر الأوروبي في عصر التنوير، ونسج دانيال ديفو على منوالها قصة «روبنسون كروسو».