الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ليلاً خارج الجسد

قرأت منذ فترة قصة قصيرة لإرنست همنغواي تحمل عنوان «بينما أستلقي»، يخاف بطلها من النوم ليلاً لأنه مقتنع بأن الأرواح تذهب في نزهات ليلية كلما غفت الأجساد في العتمة، لذلك فإنه بقي يدرب نفسه على الأرق ليلاً والنوم صباحاً، لأن الأرواح لا قدرة لها على الانسلال من الأجساد في وضح النهار.
وفي الحقيقة وجدت تلك الفكرة المكثفة حول المخاوف البشرية الغريبة شديدة الإثارة ولافتة في الوقت ذاته لأن همنغواي ربطها ببراعة بطفولة شخص البطل وما مر به، إذ إننا كبالغين كما يقال ظلال لمراحل طفولتنا بشكل أو بآخر، ولو كان لي أن أختلس شيئاً من هذا التصور حول نزهة الأرواح تحديداً لقلت إنني أعتقد أن أرواحنا تذهب في نزهة كلما مرضنا، فالروح عندما نمرض تذهب في نزهتها وهي تترك الباب موارباً خلفه الجسد في حالة ربكة.. ضعف.. إعياء وهشاشة رغم أن كل شيء ظاهرياً في مكانه، إلا أنها بابتعادها عن وجودها الأثيري الملاصق للجسد تحيله للتفكك. إذا حدث وقررت أن النزهات لم تعد مشبعة فإنها تكتفي بأن تغلق الباب خلفها بهدوء وتغادر، محيلة الجسد للفناء أخيراً حتى إذا ما أثارها جسد غض جديد في طريقه للصرخة الأولى، دفعت الباب ودخلت لتستقر. هكذا تشكلت الكارما، ومن المبدأ نفسه أيضاً قد تكون تشكلت الذاكرة الجمعية للإنسان.
هل يستطيع الخوف بقدر ما يقيد الإنسان فيزيائياً أن يحرر مخيلته ذهنياً؟ أتساءل وأنا أفكر في تعامل الإنسان مع الظواهر الكبرى التي خاف منها سابقاً وعجز عن إيجاد تفسير منطقي لها. قد نتفق مع فكرة أن الخرافة معيقة بالمجمل في مسيرة العلوم، لكن ماذا عن التأمل في جمالياتها التخيّلية، على الجانب الإبداعي منها، ونحن نرى الخيال يتجرد من لحظته الآنية المرتاعة ليحاول صناعة فهم خاص عن طريق الخيال الذي جاءت منه الحكاية لاحقاً والذي قد يكون شكل العمود الفقري للآداب والفنون.