الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إنجازات صابونية

تحدثت في مقال سابق عن الرجل الذي دخل على هارون الرشيد وأخبره أنه يستطيع أن يقوم بعمل (يعجز عنه الخلق)، وأخرج علبة مليئة بالإبر ورمى كل واحدة بحيث تشتبك الإبرة بثقب التي قبلها ووقف بعدها الرجل مزهواً بعمله أمام الحاضرين، فأعطاه المنصور 100 دينار على مهارته وأمر بجلده 100 جلده، لأنه كرس براعته وجهده ووقته في (ما لا يفيد).

وهذا يقودنا إلى موضوع اليوم حيث قرأت منذ فترة عن خبرين يحملان نفس المعنى، الأول: حصول شركة الإنشاءات البترولية الوطنية، على شهادة غينيس للأرقام القياسية بسبب أحد مشاريعها (أكبر منصة إنشاءات بترولية أو الأثقل في العالم)، والتي تم تصنيعها كاملة في الإمارات بمجهودات ومشاركات وطنية، والخبر الثاني: حصول (جهة ما) على شهادة غينيس للأرقام القياسية أيضاً ولكن لصناعة أكبر (جدر هريس أو دلة قهوة أو حتى عقال بدون طرابيش)، وهذا لا عيب فيه ولكن أن يتم وضع مشروعين أحدهما يفيد الدولة ويسهم في توفير المليارات، وهو منجز متقن وضخم، وفي المقابل يوضع على نفس المستوى (أكبر برقع)!

نحن نقارن بين جهد وعمل جبار سجلته المؤسسة الأولى، وأرست معايير جديدة في هذا المجال بما يفيد البلاد والعباد مع المشروع الثاني، أي أن لا أحد ينافسنا عالمياً في صناعة (قرض البراقع).


إننا نشاهد الكثير من (التلوين والتطبيل)، ولا أقول التزييف في الكثير من الأمور حولنا، وكأنها إنجازات ضخمه وفي الأصل (محد درى عنا) لأن البعض يريد تغطية فشله وفشل إدارته (بإنجازات صابونية كهذه)، لأنهم لم يستطيعوا تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض، ويكفي أن يكون لديك «شوية مؤثرين» على (سوشيل ميديا)، وبرامج إلكترونية حتى تجعل الكذاب صادقاً، واللص أميناً والجبان بطلاً، والمؤسسة الفاشلة ناجحة، ويكفينا أن فريق أبوظبي للرياضات البحرية يحقق بطولات عالمية مستمرة، وبتكاليف بسيطة مقارنة مع منتخبات صرف عليها الملايين ولا تفوز إلا (باللعب النظيف).


إذا لم يكن بيننا ناس تفهم وتستوعب هذا التزييف وتجميل القبيح، سوف تنتشر فقاعات الصابون الاقتصادية والرياضية والاجتماعية حتى تصبح مجتمعاتنا كلها زلقة، ولن تعود تعرف من تصدق ومن تكذب، وقد هلكت الأمم السابقة لأنها ولت الأمور لغير أهلها.