الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

في شأن النضج

كل نضج محكوم بمتتابعات من تطور الأفكار والتصرفات، والنضج الذي يشار إليه هنا ليس ذلك المقرون بسن الرشد، بل التطور الفكري الذي ينبع من ملاحظة عميقة ومستمرة للذات والآخر والأفكار المحيطة وما ترفدنا به ليؤثر على شخوصنا وأفكارنا، الأمر الذي يجعلنا كتلة مفكرة باستمرار، لكننا نكاد ننسى أحياناً في خضم التغيرات التي تمر بها مراحل نضجنا المختلفة، وأهمية أن نمتلك شجاعة الاعتراف بذلك التغيير، وشجاعة الاعتذار في مواضع أخرى، وهما يعنيان اقتران التغيير الحقيقي بالنضج الأخلاقي أيضاً، إذ لا يمكن لأي تغيير فكري أن يأتي خالياً منه في عمقه، وإلا فإننا سنكون كمن يراوح في المساحة ذاتها التي ستجعل أي فكرة مهما جاءت عظيمة ولافتة قصيرة في بعدها الزمني ومجال تأثيرها الفعلي، حتى لو تم تدوينها في بعض مصادر الأرشفة الجامدة التي ستجعل منها مجرد فكرة عاجزة عن إتمام انتقالها من بعدها الأثيري والنظري إلى الآخر التطبيقي الفاعل.

قد نلاحظ تغييرنا في حال وقوعه، وندرك قبولنا لما كنا نرفضه بشكل قاطع في وقت مسبق أو العكس، وقد ندركه في لحظة معينة، كأنها لحظة تنويرية تثير قي داخلنا التساؤلات أكثر من الفهم، لكن في الأحوال كلها فإن التغيير هو نتيجة تراكمات هادئة تستجيب للمتغيرات التي حولها ببطء، فلا الانتقال الجذري أو الطفيف يأتي بدون تلك التراكمات التي تغذيها إلى جانب الملاحظة للنفس والعالم القراءة المستمرة العميقة والانفتاح على الآخر والسعي الدؤوب للمعرفة التي تتصادم مع المسلمات وتفتح بوابة الأسئلة، ولكي يحدث كل ذلك، فلا بد أن نملك نحن قابلية له، فلا تغيير حقيقياً يحدث فجأة، ولا انتقال بين المواقف يحدث بين ليلة وأخرى أو نتيجة لتغير الوضع العام لا الحقيقي العميق الداخلي، وإلا فلن يعد تغييراً بقدر ما هو تناقض بيّن.. كاشف عن سقطة أخلاقية.