السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أين جثة (الحكواتي)!

صرّح العلماء بأن الطفل الذي يتعلّم أكثر من لغةٍ قبل سن الخامسة، تتغيّر هيكلة دماغه وربما قدراته في استنباط الحاسة السادسة، كما أكدوا بأن «الحَالة النفسية» ترتدي «الحُلة النفيسة» في الوجوه المبتسمة دون العابسة، ولذلك أقرَّ الواقع بأن الصحة الفعلية لجميع الحواس، تتعطَّل بسبب الظلم والقهر والكتمان والانحباس، أو للحرمان ومرار الفقدان والقلق والحيرة، أو حتى للحقد والحسد والغل والغيرة، أو بسبب خيبات الأمل وانكسار الخاطر وبُعْد المَرَام، وكثرة الذنوب والمعاصي والتساهل مع الحرام، وأحياناً لأسبابٍ جميلة كالعشق والهيام وبهجة الغرام، وسواء كان السبب إيجابياً أم سلبياً، تبقى نتيجة الفحص غير معروفة طبياً!

ثمة حقائق لا تحتاج إلى طبيبٍ أو دكتور، ولا لعالمٍ أو بروفيسور، حيث عُرف الموسيقي والشاعر والمغني أو «الحكواتي» قديماً باسم «التروبادور»، وهو فنانٌ متجوّلٌ عاش في أوروبا أثناء العصور الوسطى، وكان يجوب الشوارع الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ليقدم عروضاً شعرية غنائية من ألحانه في الساحات العامة، مقابل حفنة مال أو طعام أو بعض الاحتياجات الهامة، وكانوا يتفقون معه للمشاركة في حفلات الملوك والولائم، في سبيل التسلية والترفيه والمتعة بشكلٍ ملائم، وهكذا ختم الفنان الفرنسي (جيروت ريكر) هذه الرسالة، ليكون آخر ملحنٍ من هذه السلالة! فقد صنع ختاماً فاخراً لنهاية عصر الغناء في البلاط، ولعل هذا ما أنقذ أعماله من الاختلاط، أو الانجراف والانخراط مع تكاثف الأغلاط.

استناداً إلى أن الإنسان قد يكتفي بالحقيقة المحسوسة، وينبذ كافة الأدلة الملموسة! لا تزال ثقافة (ريكر) نابضة بالجمال إلى يومنا هذا، لأنه آمن بالأخلاق وكفر بالاضطهاد والأذى، فأصبح مثالاً رائعاً يُحتذى، لتتعطر حوله القلوب كالشذى، وتحوم الروح قربه وتتغذى، رغم تكالب الجهود الشريرة لدفن تاريخه نبذةً نبذة، والتي نجحت للأسف في إخفاء جثته، ولكنها لم ولن تنجح في ردم قصته.