السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أسطورة (سكر)

تقول الأسطورة إن طابوراً من الملائكة اصطفوا للغناء، ثم فجأة صمتوا جميعاً وسقطوا من السماء، فتركوا خلفهم فراغاً كبيراً، هزّ عرش التناغم كثيراً! لكن هذه الخرافة، ليست معياراً للظرافة، فالمقصود هو حث الموسيقيين فوق الأرض على اتخاذ الموسيقى باسم الواجب والفرض، وبالتالي ملء ذلك الفراغ الرهيب المهيب الخطير، الذي خلَّفه رهط ولغط وغلط الأساطير، فالموسيقى وحدها كفيلة بتحويل الإنسان إلى كائن يطير!

ارتبطت طرابلس بمسقط رأسه، وترأست بيروت قوته وبأسه، فصبَّت ألحانه أنفاساً في حسه، وكبّتت أحزانه السم في كأسه، فقد وُلد ضعيف البصر حد العمى، وكأنه هدف ضائع بلا مرمى، ولكنه كان حاد البصيرة شامخ الهمة، قوي الشكيمة واسع المهمة، عالي الذّمة قليل المَذمة، وهكذا أصبح (توفيق سكر) الموسيقي المليء بالمشاعر والأحاسيس، من أوائل المؤلفين العرب الذين تخرجوا في المعهد العالي بباريس، وبذلك ذاب (سكر) كالسكر في الترانيم المارونية، والتوزيعات البوليفونية، والعلوم الهارمونية، والموسيقى الشرقية، والأعمال الكلاسيكية، فدمج النوتات العربية بالغربية، حتى لامس ملامح النجوم، الأمر الذي عرَّضه إلى الكثير من الهجوم، فقد سَلك مسيرة تربوية وتطويرية متعبة وشاقة، لدرجة وصف خطواتها بأنها متعددة الأوجه ومتشعبة العلاقة، كما لو كانت رزمة واحدة من الأزهار المختلفة في باقة!

خاضت مؤلفاته تجارباً «سكرية» المذاق، طيبة الأخلاق، تخرج من الأعماق، ولا تعرف النفاق، بل لا شبيه لها على الإطلاق، وإن كانت لا تتناسب مع جميع الأذواق، حيث لا يستطيع تذوقها إلا مُلاّك الأشواق، وأصحاب العناق بلا أعناق، ولعل ذلك يعود إلى نقاء سريرته الملتفة حول صفاء النية، ليصبح بعدها سفيراً للَّحن بما وراء الحدود اللبنانيّة، واستمر نجاحه إلى أن غيّب الموت حضور آخر النجاحات، سنة 2017 عن عمر نقص عن المئة بخمس سنوات.



تماشياً مع أسطورة (سكر) وجنون تلك الفرضية، أثبت وجوده على وجه الكرة الأرضية، نظرية الهبوط من العالم الحقيقي، عبر الصعود إلى السلم الموسيقي.