الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

نهاية فنية (بيتهوفنية)

بغدادي الأصل عربي الأمنية، ضعيف البنية شريف النية، من أب عراقي وأم أردنية، عاش شبابه في ريعان الإسكندرية، وأمضى معظم حياته في ربوع سوريا، حيث أسس هناك الأوركسترا السيمفونية، كما شارك أيضاً في تأسيس دار الأوبرا، ليختلف بإبداعه الموسيقي عن جميع الورى.

قصته حزينة دامية، وبالأحرى تراجيدية درامية، فجاءت نهايته مسيرة ملحمية، وإن صح التعبير "أيقونية"، بل بالتحديد (بيتهوفنية)!! فقد توقفت فجأة الأوركسترا الوطنية، وتوقفت معها رحلته الفنية في جزء من الثانية، بينما كان يعزف "كونشيرتو بيتهوفن الحركة الثانية"، وذلك عندما سقط بغتة وعلى غفلة، فوق خشبة المسرح أثناء الحفلة، بعد إصابته بنزيف فجائي في الدماغ، لينزف لحناً أحمر قانياً في الفراغ! وهكذا قضى العازفون ليلتهم في المستشفى بملابس الحفل، خلف بدلات سوداء مصطفة كطابور من الجَفل، في انتظار مصير قائدهم المحتوم، الذي قرر الشلل ألا يقودهم بعد ذلك اليوم!

ترك العبقري (صُلحي الوادي) وادياً صالحاً من الأعمال، فأصبح كنزاً موسيقياً ثميناً لا يُقدّر بالمال، ومن أهم أعماله مؤلفات موسيقى الحجرة والألحان الأوركسترالية والمسرحية والسينمائية، بأساليب فريدة وتركيبة سحرية غير كيميائية، ولكن تكمن الصعوبة في استيعاب كم وكيف الهالة العاطفية المحيطة بمؤلفاته، فتارة يتم تحجيم وتجاهل مقطوعاته، وتارة يُعلن عن فرض تقديسها بعد وفاته!


بين 1934 و2007 في (73 عاماً) من الجهاد، لا تزال أنغام (الوادي) تجوب في كل واد، لترسم البسمة في الفؤاد، رغم لبس الحداد ولون السواد، حيث تحاكي موسيقاه سخرية ظلام عنيفة، وطموحاً جريحاً يصعب تصنيفه، وكأنها تصريح إنساني مُهمَل المهام، أو شهادة موثقة عن اليأس العام، فلا تكاد تفقه من خيوط الشمس سوى الغروب، نتيجة صبغ المنطقة العربية بدماء الحروب! لتخبر الألوان الحقيقية بأنها لم تكن يوماً حقيقية، ولكن تبقى الحقيقة الحقيقية أننا حين نركز في الألم يزداد العذاب، وحين نركز في الأمل يزداد الثواب!