الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

(حلب) والحاء قاف

ذات مساء، سمعتُ دويّ صرخة عالية، ربما كانت صرختي أنا! لستُ متأكدة من ذلك، فهل سمعها أحدٌ غيري؟ عموماً أكثر الصرخات إزعاجاً، تلك التي لا تصدر صوتاً، أليس كذلك؟ فالحقيقة إن تفاصيل السيرة الذاتية لشخصية اليوم، صرخت بعد وفاتها وقبل أن تعيش أحداث اليوم.

هو (ضياء سكري) الملحن العبقري، ابن سوريا، أرض الحرية، الذي عشق التجربة، وأبى أن تقيّده الغربة، وكأن وطنه يسمع ألحانه قبل أن يسمعها! ولعله يكتب نوتاته قبل أن يطبعها! والدليل أنه قال: أنا لا أعتبر نفسي خارج الوطن، لأن سوريا معششة داخلي، ولن يغادر العنصر الشرقي جميع أعمالي.

بدأ دراسة الموسيقى منذ صغره، وبالتحديد في السادسة من عمره، كما حصل في شبابه على منحة دراسية، ليدرس علم الموسيقى في الجامعة الفرنسية، وليستثمر إرث عائلةٍ حلبيةٍ اشتهرت بالفن الجميل، حتى إنه بعدما أنهى مشواره التعليمي الطويل، درس التأليف في المعهد العالي في باريس، فأبدع بمعنى الكلمة وبكل المقاييس، وللأسف نُشرت غالبية أعماله وسُجلت لدى الغرب، في حين القليل منها وجد طريق عودته إلى الشرق.

تجرّأ (سكري) على عرض مفاهيم موسيقية معقدة، كما سلك طُرقاً فنية غير معبدة ولا مُمهدة، فقد صنع رائعته (انسَ ما تعلمته) بناء على قراءاتٍ لنصوصٍ صوفية من العصور الوسطى، وكذلك عمله (سقط الزند) المستوحى من ديوان أبوالعلاء المعري، بعكس الموجود أو المُعطى، حيث اختلف تماماً في صياغة الإيقاعات وتصميم المقامات العربية، وبالتالي بدا وكأنه أخذها إلى عالمٍ من الومضات أو النبضات القلبية، والجدير بالذكر أنه نحت اسمه كنزاً تتوارثه الأجيال، من خلال قطع تمارين بسيطة للأطفال، والتي ما تزال إلى اليوم تُستخدم في شتى المعاهد والمناهج، ليرسم بمقطوعاته ألوان الفرح والمسرات والمباهج.

في ليلة ظلماء، انطفأ ضياء (ضياء)، ولكن بقي نوره الوضاء، يسطع في الفضاء.