الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

44 صفعة

يقاس عمر الإنسان بعدد الصفعات لا السنوات، ويقدَّر حجم نجاحه بتكاثف الأحقاد والعداوات، حيث يبزغ إبداعه عند الحرمان ونقص الأدوات، وعند اجتيازه للصعاب دون ممرات أو قنوات، ولذلك يقيس طول طريقه بعمق الحفر وسعة الفجوات لا الخطوات، كما يستوعب قوة صبره عند ضبط الذات من النزوات، وعند تسامحه وتغاضيه عن الزلات والهفوات، كما يفتخر بعفته ونزاهته عند نبذ الشهوات، ولكنه لا ولن يدرك نبض فؤاده إلا بالحب بعيداً عن الثروات، هكذا يعيش المرء حياته، دون أن يدرك حقيقة سنواته، سوى رب السماوات!

ولد الملحن والموزع الذي لا يمكن أن يُنسى، السيد (يوهان شتراوس) في فيينا وسط النمسا، وهناك تعلم على آلة الكمان ودرس أصول الإيقاع، فأحب الموسيقى وعشقها من قمة رأسه إلى القاع، ثم التحق بفرقة مختصة بالموسيقى الشعبية في عمر الـ15، وذلك خلال أوائل القرن التاسع عشر، وبعدها أنشأ فرقة موسيقية فاشتهر أكثر وانتشر، والجدير بالذكر أنه عزف في أغلب النزل والفنادق وبعض الحانات، وأصبح معروفاً برقصات الفالس وبأجمل وأندر النغمات، ومع اتساع شهرته، ازداد حجم فرقته، فامتدت تلك العروض المتسمة بالموهبة، في كل أرجاء أوروبا بصورة متأهبة، وحظيت بالقبول والرضا العميق، فازدهرت أعماله بأكاليل النجاح والتوفيق، إلى أن قرر المرض أنه في ذلك اليوم لن يفيق!

أصيب (يوهان) بمرض معدٍ ومميت، فاستسلم للموت بجسدٍ حانق ومقيت، ودفن في المقبرة المركزية، وفقاً لإجراءات الدفن الاحترازية، في العقد الرابع من عمره قبل أن يكمل الـ44، ليدمع عليه القلب وتبكيه العين، ولكن بقيت روحه الجميلة في فلذات أكباده الثلاثة، وكأن موهبته الفريدة انتقلت إليهم بالوراثة!

ألف (يوهان شتراوس الأب) حوالي 250 قطعة موسيقية، لتبقى بذرة موسيقاه الحقيقية، كامنة في جينات أطفاله، الذين أكملوا مشوار آماله، أي باختصار كانوا مثل أبيهم فشابهوه وما ظلموا.