هو موسيقيٌ دار حول عالم الفن من دون زوبعة، وكأنه الفصل الخامس بعد الفصول الأربعة، ففي قمة الاحتراق نجد أمطار ألحانه تتساقط علينا كالشتاء، وفي شدة البرودة تدفئنا شمسها المشرقة كالصيف، وفي حدة الركود تحرك مشاعرنا كالرياح في الخريف، وفي أوج الأحزان تسعدنا أزهارها برائحة الربيع، هكذا جاء (حليم الرومي) الموسيقار فلسطيني الأصل، ليصنع لنا من موسيقاه أول فصل.
اسمه الحقيقي «حنا عوض برادعي» أمير الألحان العربية الكلاسيكية، وقد لُقبت عائلته بالرومي نسبة لانتمائها إلى طائفة الروم الكاثوليكية، التحق بالمعهد الموسيقي في سن صغيرة، وشارك في الحفلات والمهرجانات الكبيرة، عمل كملحن ومطرب وعازف، واعتمدته الإذاعة الفنان الأول في جميع المعازف، كما فاز بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني، ثم تسلم في إذاعة الشرق رئاسة القسم الفني، بعدها تزوج وأنجب عوض ومها ومنى و«ماجدة»، المطربة العظيمة التي لا تزال في الساحة متواجدة.
كوّن شخصية خاصة تعيش بيننا إلى هذا اليوم، كما نال عن جدارة واستحقاق لقب «خليفة أم كلثوم»، فقد كان اجتماعياً وبعيداً عن الفكر الانطوائي، ولكن حظه كان سيئاً في التمثيل السينمائي، ومع ذلك ساهم في موسيقى فيلمَي «قمر 14» و«صلاح الدين الأيوبي»، كما يعد (حليم) أول من لحن لأبي القاسم الشابي، وذلك من خلال قصيدة «إرادة الحياة»، فتوثق اسمه على مر الحياة، بعدها حصد الجائزة الأولى في الموشحات الأندلسية، بأنغامٍ تفوق القدرات الطبيعية الحسية!
قدم أكثر من 2000 عمل، تميزت عمقاً وأصالة وأملاً، وهكذا حملت ابنته شعلة موهبته المتوقدة، رغم معارضته ونظرته الأبوية المتشددة، إلا أن قلبه الأبوي الحنون، رقّ على ملكة الفنون، فشجعها في آخر المطاف، وساندها في طريقها إلى الاحتراف، حتى أصبحت «ماجدة الرومي» مجموعة مواهب كاملة الأوصاف.
لازمه مرض السكري في الأربعينات من العمر، فذاق معه معاناة المرض والمر، إلى أن توفي وقد بُترت قدماه، ليعيش بيننا ما قدَّمه، هو وابنته باسم عائلة الرومي، لنراهما دائماً معاً بين النجوم.