اللافت في الطبيب وعالم النفس المالطيّ «إدوارد دي بونو» ليس فقط ابتكاره لاستراتيجيات فكرية خلاقة جعلته من روّاد التفكير الإبداعي في العالم، مثل «القبعات الست» وغيرها، بل تجاوز ذلك بتأسيسه «أمانة الأبحاث الاستعرافية» Cognitive Research Trust التي اشتهرت لاحقاً بـ CoRT التي وضعت وطوّرت عدداً من المناهج التعليمية بناء على أفكاره. كما أنه شارك في تأسيس «مدرسة التفكير» مع «مايكل هيويت غليسون» عام 1979، بالإضافة للكثير الكثير من الروائع الفكرية التي تُنير العقل وتُسعد الروح. من الأخطاء الشائعة التي رافقت تلقّينا لمفهوم «القبعات الست» أنها تقوم بتصنيف الأشخاص وتنميطهم حسب طرق تفكيرهم، لماذا حصل هذا الخطأ الشائع؟ لأننا نعشق استسهال الأمور والتسرّع في وضع النقاط على أقرب الحروف مسافة كي ننجز سريعاً ونعود لدوائر الراحة بأسرع ما يمكن. فمن يعتبر نفسه منتمياً للقبعة البيضاء لا يستطيع بناءً على فطرته الإنسانية أن يمارس الحيادية والموضوعية طوال الوقت وفي كل الظروف! بل الطريقة المثلى للاستفادة من هذه القبعة هي حُسن تقدير المواقف الملائمة لها واعتمارها وفق قرارٍ منطقيّ ولو خالف ذلك المزاج العام أو تناقض مع دافعٍ شعوريّ أو سواه. فنحن البشر غير قادرين على تنحية أهوائنا وآرائنا وميولنا الشخصية جانباً طوال الوقت وجعل ذلك صفة من صفاتنا. عندما تكون في المطار منتظراً رؤية ابنتك بعد سنواتٍ من الغياب، من غير المقبول أن تكون موضوعياً منطقياً جامداً! فتستقبلها بكل برود وتسألها عن حال الطقس والدراسة وعن موعد رحلة العودة! في بعض المواقف يصبح الإنسان الطبيعي كتلة متحركة من العواطف الجياشة والمشاعر المتدفقة ووجهه يتحوّل للوحة جميلة من التعابير الحيّة في تفاعله مع دوافعه.. هذا ما يؤكد أنه على قيد الحياة! في اجتماع عملٍ مع مدير المؤسسة التي تعمل بها، القبعة البيضاء هي الصحيحة تماماً، يجب عليك تقديم تقريرك بكل موضوعية وحيادية وحسب المؤشرات والأرقام ترشّح التعاون مع الشركة ذات الخدمة الأفضل وليست تلك التي يديرها أحد أصدقائك، لأنك هنا مؤتمن على القرار الأنسب لعملك وليس الأقرب لعاطفتك.
لا تكذب على نفسك
للنجاح خصائص ومميزات، والأهم أن له متطلبات عديدة ومتنوعة لتحقيقه، مثل: الاستعداد، الوعي، الفهم، الابتكار، التميز، الإبداع، وغيرها الكثير من الصفات التي إن تحلينا بها فإنه من المؤكد سنحصد خيرها، وهذا ليس في مجال واحد وحسب، وإنما هي قاعدة عامة في كل عمل ومهمة نحتاج إلى النجاح فيها. ومع هذا فإن هناك متطلباً حيوياً ومهماً نحتاج أن يكون بجانبنا وبالقرب من قلوبنا وضمائرنا في أي مهمة، ولعله يعد من قواعد النجاح والتفوق والتفرد، وهذا المتطلب يتعلق بثقة الإنسان بنفسه وقدراته، يجب أن تكون هذه الثقة حقيقية، بمعنى يعلم أنه قادر على النجاح، ليس توقعاً، بل علماً ومعرفة وقدرات ذهنية وموهبة واستعداداً. الثقة بالنفس لا تعني الاندفاع ولا المغامرة، بل التفكير بشكل جيد وموضوعي ووضع الحسابات المتباينة المختلفة، أما من يتوهم المعرفة ويعظّم ما يستند عليه من علم، ويندفع بحجة الثقة في النفس، فهو يذهب إلى الفشل، كل مهمة من مهام الحياة تتطلب حزمة من الأدوات والاستعدادات، لكن في مجملها تبقى نقطة الثقة في النفس ماثلة وواضحة، وهذه الثقة لا يمكن أن تكون قوية وماثلة إلا بمتطلبات العلم والمعرفة، فلا تكفي الشجاعة هنا ولا الإقدام، لأننا عندما نقول الثقة في النفس، فهذا يعني معرفة الإنسان نفسه وما يستند عليه من دعم، ببساطة ألا يتم الكذب على النفس أو توهم شيء غير حقيقي، وكما قال الروائي العالمي باولو كويلو: «إذا أردت النجاح، عليك أن تحترم قاعدة: لا تكذب على نفسك أبداً». كما سبق وذكرت.. إنها قاعدة بسيطة وسهلة الفهم والشرح، نعم ثق بنفسك، لكن ادعم هذه الثقة بجوانب ملموسة من العلوم والمعارف والاستناد على المعلومات اللازمة. لأن الثقة بالنفس هنا تعني الثقة بقدراتك ومعارفك، دون تحقق هذا الجانب تكون كمن يكذب على نفسه، ويوهمها بما ليس فيها.