الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الكيك الإنجليزي

كلما تتعرف عليه في طفولتك يبقى ملازماً لك بشكل دائم في ثنايا الذاكرة، كثير من الأشياء الصغيرة التي قد لا يحس بها الكبار، تترسخ في مخيلة الطفل وذاكرته إلى الأبد، أحياناً لجمال ذكراها، وأحياناً أخرى لبشاعتها.

المأكولات والمشروبات لها حيّز جميل في الذاكرة، فهي من أجمل الصدمات الإيجابية التي قد يُصدم بها الطفل، وكثير من الناس يبقون طوال حياتهم يبحثون عن مذاق خاص جرّبوه في طفولتهم، قد يجدونه أو لا يجدونه، لكن عمليات البحث لا تتوقف.

الكيك الإنجليزي هو أول نوع من أنواع الكيك تناولته في حياتي، مذاق لا يمكن أن أصفه، تلك الصدمة الأولى كانت مبهرة، فالأطعمة الحلوة في تراثنا قليلة، مثل خبز الكِباب وخبز الخمير وخبز المحلّي يغمس مع الدّبس أو العسل أو السكر، كذلك الخبيصة والعصيدة والبثيثة والقرص، وفي رمضان اللقيمات وما شابهها، أما أشباه الكيك وغيره فلم يكن في قاموسنا.


الكيك الإنجليزي يُصنع من الطحين والبيض والزبدة، يضاف له السكر والفواكه المجففة، أما في شكله الخارجي يكون أقرب للقالب المستطيل، أعلاه بني غامق، وباقي شكله يكون ذا لون أصفر حليبي يشبه لون الزبدة، ملمسه ليّن وقد يتناثر وتيبس أطرافه إذا طال بقاؤه خارج الفرن.


في طفولتي كنت مع الوالد، رحمه الله، في أحد الأماكن التي يرتادها الإنجليز، وقدّموا لنا الكيك الإنجليزي مع الشاي، اللحظة الأولى لتذوق طعم الكيك كان مدهشاً، فهو لا يشبه أي مذاق آخر حسب ذائقتي البسيطة في ذلك الوقت، كما أن طعم الفواكه المجففة كان يضيف دهشة أخرى للدهشة الأولى.

بقي ذلك الحنين يلازمني منذ ذلك الوقت، حتى يومنا هذا، فإذا ذهبت إلى أي مقهى أو مطعم، أطلب الكيك الإنجليزي، ثم أسأل عن الأنواع الأخرى، أُفاجأ في بعض البلدان أنهم يعرفون هذا النوع من الكيك ويصنعونه، لكنهم يسمونه بأسماء أخرى، بل إنهم يستهجنون تسمية (الكيك الإنجليزي) بحجة أن وصفة هذا النوع من الكيك هي وصفة مشهورة في أوروبا، وليست حكراً على الإنجليز، الشاهد أنني تيقنت أن (كيكتي) الإنجليزية لا يتقن صنعها الجميع، فهي تحتاج إلى مهارة فائقة لجعلها تشبه ذلك المذاق الأول الذي أعشقه.