الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الخجول الجريء!

شيء من الخجل والحياء، يزيد من جمال الأحياء، ومن رونق تلك الأشياء، ويخفف التعب والإعياء، ويزيل الشعور بالاستياء، ويقصّر حبل الكذب والرياء، وينثر في الفضاء الضياء، حول الأوفياء وجموع الأنقياء، فتبصر النفوس العمياء، وتعمى بصيرة الأشقياء، لتزدهر المشاعر، وتتورد المشاعل، وترتوي شتى القلوب، لدى جميع الشعوب، ولذلك يجب على مَن لا يستحي ألاّ يفعل ما يشاء!

كان (تشارلز إدوارد آيفز) ملحنًا راقياً حداثياً، ومؤلفاً موسيقياً أمريكياً، وهو أحد أوائل الملحنين الأمريكيين ذوي الشهرة، على الرغم من تجاهل موسيقاه خلال حياته المُرَّة، حيث ظلت العديد من أعماله دون أداء لسنواتٍ طويلة، ومع مرور الوقت أصبح «الأصل الأمريكي» بمعانيه الأصيلة، وهكذا بات عضواً أساسياً في أكاديمية الآداب والفنون، وجمع بين التقاليد الشعبية والكنسية والأوروبية من كل لون، بل كان من أوائل الذين شاركوا في برنامج منهجي للموسيقى التجريبية، ودمجها مع التقنيات الموسيقية بما في ذلك الإيقاعية، لأن مصادر الصور اللونية لــ(آيفز) هي عبارة عن ترانيم وأغان تقليدية أو وطنية أو عاطفية.

رفضت موسيقى (تشارلز آيفز) الاستقرار في أي مكان معين بالتحديد، فقد أحب براءة الابتكار وفكرة التعدد الموسيقي والتجديد، ولعل هذا السبب في كون أعماله مربكة لبعض السامعين، حيث يحتار المستمع بين غرابة الترنيمة وبين حقيقة مهارته في التلحين! فقد كتب السيمفونية الرابعة بأسلوبٍ غير مفهوم، مقارنةً بالأسلوب المعهود المعروف والمعلوم، ومع ذلك ابتعد (آيفز) عن تيارات النقد والجدال، ووضع نفسه في عزلة تامة عن النقاش في الحال، ولذلك ندرت تصريحاته العلنية وقلّ حديثه، وأثناء ذلك استكشف عمق المفردات الموسيقية الحديثة، وطور بعض التقنيات قبل أن يفكر فيها أي شخص آخر، وبالتالي اعتبر سيد الحداثة في الأول والأخير، ولكنه في الواقع كان ينتمي لعالمه الخاص المملوء بالخجل الجريء، والذي يطلق عليه اسم «عالم آيفز» العالم المتناقض البريء.