السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أبوظبي التي في خاطري

الحديث عن مدينة أبوظبي، متجدد في نفسي دائماً، غزير في محتواه، كما هو في شجنه السخي، حينما تتفتح نوافذ الذاكرة القصية للمدينة في القلب والبال، فيبعث في النفس الحنين لوطن جميل بكل ما فيه!

أبوظبي، المدينة الهادئة، أشبه بامرأة وقور، سهلة، طيبة المعشر، مهما حاولت أن تتفلت من حالة الميل أو الخضوع لها حباً، تبوء كل محاولاتك بالفشل، كمن يريد أن يقتل حباً كبيراً في نفسه بحب عابر؛ فكيف بمدينة كبرتَ معها، وماضيها منحوت في ذاكرتك، وذاكرتك تستوطن أرضها وسماءها؟! دائماً ما تُبقيكَ على عهد الحب معها!

أبوظبي مدينة آمِنة من قبل أن يُعبّد أول شارع فيها، ومن قبل أن يضاء أول عمود إنارة في شوارعها، مذ أن كانت البيوت تُبنى من رملة البحر الأبيض، أمانها الذي يشعرك بأن كل شبر فيها هو صحن بيتك، وكل بيت هو بيتك، لا نطرق الأبواب، كنا نلج بيوت أحبتنا وجيراننا بلا استئذان، كانت البيوت أشبه بعائلة واحدة ممتدة على اختلاف جنسياتها!


أبوظبي، بصباحاتها المغبشّة الوادعة، المُنّداة ببقايا رطوبة ثقيلة، ومن قبل أن يذهب الناس لأعمالهم، كان الصبيات الصغيرات يتجمعن كالفراشات في زاوية تحت عمود إنارة شاهق، المحاذي لمبنى الجوازات آنذاك، في انتظار باص المدرسة، وبمحاذاته، وعلى بُعد أربعة أمتار، تقف طوابير طويلة لعمالة آسيوية، جديدة، أمام مبنى الجوازات، في البداية كنا نخاف تلك الطوابير التي تتشكل من قبل طلوع الشمس، حتى اعتدناها، إلى أن تم نقل دائرة الجوازات إلى المقر الجديد.


الإحساس بمدينة أبوظبي، وإن لم تطأ قدماك كل شبر فيها، يُشعرك بأن كل مكان، ومَعِلم، وشارع لك ذكرى فيه، أو قصة معه، حتى «دكاكين القراشية» لتجارة الجملة، التي كانت تقع على واجهة البحر آنذاك، تذكرني بطفولتي.. بأبي وأمي، حينما كانا يصطحباننا معهما في ضحى يوم الجمعة، لشراء «مير» البيت، وبهجتنا نحن الصغار بهذا الطقس الشهري.

أما حديقة المطار القديم، فكانت ملاذنا الآمن أيام القيظ، عند انقطاع الكهرباء عن البيوت، كنا نفترش «حشيشها» ونبات بأمان!