الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الإمارات.. حضارة فوق الرمال

في الثاني من ديسمبر، تحتفل دولة الإمارات بيومها الوطني الـ49، وهو فرصة نادرة يمكننا أن نسترجع من خلالها قصَّة الطريق الطويل الذي قطعته هذه الدولة الفتيّة وفق إيقاع سريع، للدرجة التي لا توفّر لنا الوقت الكافي للتمعّن والنظر إلى الوراء لمراجعة الإنجازات المدهشة التي تحققت.

ويأتي الاحتفال الكبير هذه المرة في ظروف صعبة، وفي وقت يهتز فيه العالم أجمع تحت وطأة شكوك مثيرة للقلق بسبب فيروس مجهول، إلا أن دولة الإمارات أصبحت مثالاً يُحتذى للقدرة على الصمود في وجه مثل هذه العواصف والمشكلات الطارئة بفضل نموذجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفريد والعامر بالمشاعر الإنسانية، والذي يتطابق مع التعاليم والمبادئ الإسلامية المتعلقة بالمفهوم الحقيقي للتضامن.

ويُلخّص هذا النموذج أيضاً تاريخاً طويلاً من القدرة على التكيّف والتغلب على الصعوبات يمتدُّ لما يقارب نصف القرن، وضمن بيئة الإمارات بالغة القسوة والمحصورة بين البحر والرمال، ومن خلال النجاح اللافت في الانفتاح على العالم الواسع.


ويكمن أحد أهم مظاهر هذا النجاح والتطور الذي تحقق، في القدرة الفريدة لهذه الدولة الناشئة على استقطاب أصحاب الكفاءات والخبرات الذين توافدوا إليها من جميع أنحاء العالم، ومن خلالها، نجحت في ابتداع وتجسيد هذا النموذج المثمر والفعّال والمتماسك.


ومن أهم المعالم الجديدة لهذا التكيف، إشراك الأجيال الإماراتية الشابة في «الرؤية الوطنية» للتنمية، والانسجام مع العالم المعولم تحت راية قِيَم ومبادئ التسامح وقبول الآخر.

ولقد مرّ الآن ما يقرب من 50 عاماً منذ تعرّفت لأول مرة على أوضاع شبه الجزيرة العربية من خلال رحلة قمت بها عام 1971 إلى اليمن الخارج لتوّه من الحرب الأهلية، وبعد ذلك بعشر سنوات، وجدت نفسي وقد أصبحت جزءاً من عملية الانتقال السريع للمنطقة من حياة البداوة والترحال إلى الاقتصاد النفطي، وكنت أتابع هذا التطور عن كثب من إحدى الوزارات الحكومية في المملكة العربية السعودية، ولم أتمكن من اكتشاف الدول الخليجية الفتيّة على حقيقتها إلا عام 1990.

وكانت دبي في ذلك الوقت تنبسط حول خورها، وكان طرفها الأبعد ينتهي عند «مركز التجارة العالمي»، وهو البرج الأكثر ارتفاعاً الذي كان يبدو وكأنه يواجه الصحراء بشيء من الشموخ والافتخار، ومنحتني هذه الخطوات الأولى الفرصة حتى أشهد العالم المتغير الذي تحتّم على مجتمعات الخليج العربي الخوض فيه والتغلّب على مشاكله.

والآن، أصبحت الفرصة متاحة لي لأشارك عن كثب في التمعّن بهذا النجاح الذي لم يكن نتيجة لطفرة النفط والغاز، بل هو من إنجازات قيادة حكيمة وجريئة وحذرة، سبق لها أن قادت الاتحاد نحو الولادة في ظل ظروف هشّة بالغة الصعوبة لتواصل مسيرتها الناجحة بفضل جهود مواطنيها المخلصين وكوادرها ذات الكفاءة.

إنها بحق فرصة عظيمة للتعبير عن الإعجاب بهؤلاء القادة الذين تمكنوا من توحيد قواهم وجهودهم لبناء أمة جديدة وقوية تتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً.