الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الصمت لغة لا نجيدها!

الصمت فضيلة، وهي قيمة إنسانية بليغة لا يمارسها إلّا الأقوياء الواثقون من أنفسهم، ونعتقد أننا نستطيع أن نمارس الصمت متى ما رغبنا وأنه فعل بسيط وسهل. لكن واقعنا مختلف تماماً، خاصة في المواقف التي تكون مشحونة بالحديث والأخذ والعطاء والنقاش المحتد.. وحتى ولو قدر ولزمت الصمت فإن الآخرين لن يتركوك بل سيتوجهون لك ويطلبون رأيك رغم أن حديثهم قد يكون ضد شخص غائب فلا تخلو من أن تكون أحد أمرين؛ إما أن تقع في الغيبة أو البهتان، وكلاهما نهى رسولنا الكريم عنه. نحن فعلاً بحاجة لتعلم فنون الصمت، وعندما أقول "فنون" فلأنها ممارسة تحتاج لجهد وقوة شخصية. جميعنا نذهب لمناسبات عامة وخاصة ونجد بعض الشخصيات التي تجعل من نفسها أضحوكة بكل ما تعني الكلمة عندما تتحدث في كل موضوع من الرياضة إلى الفن وصولاً إلى السياسة والتحليل للأوضاع، حتى البورصة التي تكبد فيها خسائر فادحة أو التجارة التي فشل فيها، بل تجده يتحدث عن ثقافة العمل والجميع يعرفون أنه معرض للفصل من عمله بسبب كثرة غياباته، وقس على هذا الحال أو هذه الصورة الكثير من النماذج والمثل الأخرى. كتب التراث بل والكتب الحديثة التي فيها تعليم كيفية التعامل مع الآخرين والتصرف في المواقع، إرشادات وتعليمات عديدة حول آداب الحديث والحث على الصمت، فكثرة الحديث لا تعني أن الناس ستنظر إليك أو تجعلهم يهتمون بشخصيتك بل قد تكون النتائج عكسية. هناك نوع من الصمت مطلوب بل وفي زماننا هذا يعتبر فضيلة وكل إنسان يكتسبه بحق يستحق الاحترام والتقدير، وهو لزوم الصمت عند شتمك أو الإهانة اللفظية، وهو فعل بليغ جداً لو قدر وتعلمنا ودربنا أنفسنا على ممارسة الصمت في مثل هذه المواقف، يقول الإمام الشافعي في أبيات شعرية مشهور في هذا السياق: «قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم.. إن الجواب لباب الشر مفتاح.. والصمت عن جاهل أو أحمق شرف.. وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح.. أما ترى الأسود تُخشى وهي صامتة.. والكلب يخسى لعمري وهو نباح».

علينا فعلاً أن نتعلم عندما نتحدث متى نصمت حيث توجد علامات ومؤشرات لهذا، لعل منها ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسينجر: «يجدر بالمرء أن يتوقف عن الكلام حين يهز المستمع إليه رأسه موافقاً من دون أن يقول شيئاً». هناك فنون وآداب ودروس كثيرة نحتاج أن نتعلمها.. نحتاج أن نتعلم أن نصمت!