السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

عندما تختلف الآراء!

«الحقيقة» على الرغم من وهن هذه الكلمة وفرديتها إلا أن مفهومها ودلالاتها خطيرة، فالحقيقة عندما يدعي أحدهم التمسك بتلابيبها وعدم السماح حتى بالنقاش، فهو ينطلق من مفهوم راسخ لا يتزعزع بصحة ما يملكه ووهن أو كذب ما يملكه الطرف الآخر، وبالتالي فإن الهوة بين الطرفين تتسع وتتعطل لغة الحوار تماماً، وعندها يتم الانتقال للغة السلاح والخصام والتنافر والعداء.

بنظرة سريعة نحو كافة تفاصيل حياتنا من الصغيرة حتى الكبيرة، ومن داخل الأسرة التي تتكون من فردين أو 3 وصولاً للمجتمع بأسره أو بالعلاقات بين الأمم والشعوب، تجد أن بؤرة كل صراع هو ادعاء أحد الأطراف امتلاكه الحقيقة وأن الآخر يعتدي عليها.

يمكنك رصد وملاحظة هذا التباين بسهولة في كافة المجالات الحياتية الرياضية والعلمية والسياسية وحتى في الناحية الفكرية والأدبية يحدث خصام بين تيارات ثقافية مختلفة على قضايا لم تحسم حتى اليوم، وكل فريق يناصب الآخر العداء والهجوم بحجة أنه يملك الحقيقة وأن الآخرين لا يملكون إلا الزيف والتشويه ومحاولة إطفاء نور الحقيقة لأن عندهم مطامع وأغراض وصولية.

تلفحنا كتب كثيرة بين وقت وآخر تحت عناوين براقة، مثل: لنحمِ الحقيقة، ودفاعاً عن الحقيقة، وفي حماية الحقيقة، وحتى لا تضيع الحقيقة، والحقيقة والتاريخ، والحقيقة والمجتمع... إلخ. وقد تصاب بالدهشة والذهول أن بعض هذه العناوين قد تمر عليك وهي مدونة لكتب عدة، بمعنى أن هناك نسخاً حتى لعناوين الكتب التي تتحدث عن الحقيقة!. ولم يقتصر النسخ فقط في فكرة امتلاك الحقيقة، والذي أحسبه أقدم عملية نسخ إنسانية تمت منذ عصور سحيقة وحتى العصر الحديث.

غني عن القول إن هناك حقائق في هذا الكون مسلم بصحتها وهناك اتفاق عام على حقيقتها المطلقة ويدعم هذا الاتفاق والتسليم العلم الحديث، لكن حديثنا عن آراء أو عن قضايا إذا صح تسميتها جدلية لم تحسم سواء في مجال العلوم أو في مجال الطب أو حتى التاريخ والعلوم الإنسانية الأخرى، وهناك مواضيع جدلية لم تحسم منذ عصور غابرة حتى يومنا هذا، والبعض منها تحول مع مرور الزمن لفكاهة ومضرب مثل في عدم الاتفاق وادعاء كل طرف بأنه يملك الحقيقة، وهذا الجدل العقيم كان على حساب أمور عظيمة أهم وأخطر، لعل خير مثال في هذا السياق القصة التي يتم روايتها عندما حاصر السلطان العثماني محمد الفاتح القسطنطينية، وكان البيزنطيون خلال حصار مدينتهم، في نقاش محتدم وملتهب حول عدة مواضيع، مثل هل الملائكة إناث أم ذكور، في الوقت الذي كانت القذائف تدك أسوار عاصمة بلادهم.

هذه النقطة تحديداً جديرة بالتنبه لنفهم طبيعة الأمور فكل شيء له ضوابط وشروط حتى في الحوار، مثل أهمية الموضوع وحجمه ومدى الوقت الذي يستحقه في النقاش حوله، كذلك التوقيت الذي يتم فيه مثل هذا الحوار، والفائدة المرجوة أو النتيجة المتوقعة، وقبل هذا جميعه هل الذي أمامك يملك معلومات ورأياً يثري ويفيد، أم هو فقط يجادل؟.

أعتقد جازمة بأن العالم بأسره يجب أن تسوده لغة الحوار والتفاهم وفي عالمنا العربي نحن لسنا بمعزل عن مثل هذه الحاجة بل هي ضرورية لدينا اليوم أكثر من أي زمن مضى.