الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الحرية والمسؤولية

بدأت تتصاعد في السنوات الأخيرة مفاهيم جديدة تتناولها وترددها الألسن دون معرفة بعمقها أو دلالتها أو حتى المعنى التي تحمله، لعل من هذه المفردات كلمة «حرية» وما يمكن أن يوضع تحت هذه الكلمة من جمل يرسمها الابن أو الابنة ويلفحون بها وجه كل أب أو أم، بل حتى المعلمون والمعلمات يسمعون هذه المفردة مراراً وتكراراً على ألسنة طلابهم.

وبات مع مرور الوقت ترسيخ لهذه الكلمة وفصلها عن محتواها وعن المعنى العميق الذي تحمله، وتجنُّب -مع الأسف- المختصين الشرح والتوضيح لدلالات ومفهوم الحرية الحقة، وما تتطلبه من إمكانيات وواجبات لتحقيقها، بل وشروطها ومتى يمكن أن نفهم هذا السلوك بأنه ممارسة فردية حرة للشخص، ومتى يعد هذا السلوك تعدياً سافراً على حقوق الآخرين. ولعل ما أريد أن أصل له هي المقولة الشهيرة للفيلسوف فرنسي شارل لوي دي سيكوندا المعروف باسم مونتيسكيو، الذي قال: «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين». ومن هذه المقولة، نسأل هل فعلاً نعي أبعاد وحقيقة الحرية بل ومتطلباتها؟ أم تراها لدى البعض الفوضى وتحطيم الأماكن العامة، وإزعاج الناس وهم يقضون بعض الوقت للراحة والاستجمام في حديقة ما أو على شاطئ البحر أو في مكان ترفيه. هل يمكن أن نسمح ببضع الشباب المتهور أن يمارس الإزعاج سواء الإزعاج الصوتي اللفظي المحمل بالصراخ والضحكات العالية والكلمات النابية، في مكان عام، ونقول هذه حرية فردية، وماذا لو تطور الوضع إلى تجاوزات حركية وفعلية مثل ممارسة التفحيط بالسيارات في الشوارع العامة وتجمهر الشباب وإغلاق الشارع، ويمكن أن نبرر هذه الممارسة بالحرية الشخصية، بل ماذا قد نفعل عندما نشاهد مجموعة من الشباب يرتادون الأماكن العامة المخصصة للنساء على سبيل المثال، أو يدخلون لمحال خاصة بالنساء، فهل يمكن أن نلزم الصمت ونقول حرية شخصية أم نستدعي رجال الأمن؟!!..

وبالمثل ماذا لو تجمع مجموعة من الناس 100 أو 200، وقاموا بالسير في الشارع، فأوقفوا حركة المرور، وتسببوا في تعطل الناس عن أعمالهم، بل وتوقف تام للشوارع الأخرى لأن السيارات اكتظت فيها، فهل يمكن أن نعتبر ممارستهم هذه حرية، أم تعدياً على حقوق الآخرين.. مع الأسف في الوطن العربي مفهومنا للحرية كممارسة يتلبسه الكثير من الغموض والأخطاء، وبسببها تحدث تجاوزات تضر بمصالح المجتمع ككل، في فرنسا رائدة الحرية في العالم، وفي بريطانيا وأمريكا، يمكنك التجمهر بعد أخذ أذن، وفي مواقع محددة سلفة، ودون أن تضر بالآخرين وبمصالحهم، بمعنى يقوم رجال الأمن هناك بتخصيص مكان على الرصيف لتصرخ عليه كيفما تريد، ثم تذهب لمنزلك، ولعلنا جميعا شاهدنا المظاهرات التي اندلعت في نيويورك قبل نحو أعوام مضت، عندما قام المحتجون ببناء خيام والنوم في الحدائق العام، وكيف داهمتهم قوات من الشرطة فاقتلعت خيامهم واعتقلت من اعتقلت، لماذا؟ لأن الحديقة مكان عام وليس ملكاً لمجموعة دون أخرى. ببساطة متناهية الذي يحدث لدينا أن البعض يعظم وينشر ويتحدث عن مفهوم الحرية، لكنهم في نفس الوقت يغفلون أو يتغافلون عن معنى المسؤولية الفردية تجاه المجتمع ككل، وهنا المعضلة الحقيقة، والتي تحتاج أن نوليها الاهتمام والعناية ومزيداً من التعليم للنشء على معانيها الحقيقية.