الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الرجل الذي رآه النور!

مؤلمٌ أن ترى وأنت تتمنى العمى، حين يموت جزء فيك والقاتل عيناك! فتسقط أمامهما ليسخرا منك وكأنما؛ لم يكترثا قط لمعناك! فتفقد إحساسك في لحظاتٍ مُبهَمَة، وتجهل متى اشتراك اليأس أو اقتناك، ثم يخونك الدمع بمعنى الكلمة، وتتساءل «أحقاً جهنم هنا أم هناك؟» ولذلك أحياناً من الأفضل ألاّ ترى ما لا تريد أن ترى، وألا تعرف تفاصيل كل ما جرى، وألا تعاتب الذي باع أو تشتكي لمَن اشترى، لئلا تعيش مستقبلك في غياهب الذكرى، أو تنسى جمال الدنيا وحلاوة البشرى، ولهذا ابتعد تماماً عن شر الورى، ومُرهم بالعدل واحكمهم بالشورى، وإن استطعت لا داعي أن تراهم أساساً أو بالأحرى؛ حاول ألا تكلمهم حتى من تحت الثرى، لعلك وعسى لا تقابلهم في الحياة الأخرى.

لم يبصر الشمس يوماً، وإن أبصره الضياء دوماً، ولهذا وصفه من حوله بالطفل الكفيف، ولكنه وصف نزفه بالجرح الطفيف، فقد كان متأكداً من قدرته على رؤية كل شيء دون الحاجة لعينيه، وبأنه بصره لا يحتاج إلا لقلبه وجهد بسيط من يديه، هكذا اقتنع الموسيقار (عمّار الشريعي) فأقنع العالم معه، وأصبح شعاع النور أول مَن يراه ويسمعه، حيث ظهرت شعلة نبوغه في سن الثالثة، ولم يعتبر إعاقته مصيبة أو كارثة! وبالتالي تدرب بذكاء فاستمتع بأنفاسه اللاهثة، ليستمر تدفق موسيقاه المنبعثة والباعثة، لأسمى معاني الجمال رغم أنف الزوابع، وبعض صدمات الحياة وهول الزلازل والتوابع، والجميل أن ابنة عمه علمته العزف بتسمية النغمات على أسماء الأصابع، فأصبح اسم (الشريعي) رمزاً للإبداع المقترن بالأمل النابع.

من أشهر مؤلفاته (رأفت الهجان، حب في الزنزانة، والواد سيد الشغال) وغيرهم العشرات بل المئات من روائع الأعمال، التي صنع بها بصيرة ثاقبة في جميع الأحوال، لتراقب بهدوء كيف تنمو الآمال، ولتجيب بكل حب وثقة عن كل سؤال.