الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الوعي والمعرفة حتى لا تكون صيداً!

دون شك أن الحياة المعاصرة الحديثة التي نعيشها، تحتم علينا جميعا إجراءات وخطوات عملية نحو فهم تقنياتها وآلياتها، فمن غير الممكن عدم الإلمام بالبرامج والتطبيقات التي باتت جزءاً من حياتنا اليومية، خاصة ونحن نعلم أن الخدمات سواء الحكومية أو غيرها بدأت في التحول لتتم من خلال هذه التطبيقات؛ ومن هنا يصبح من البديهي أن أي تراجع أو تخلف أو عدم اللحاق بمثل هذه التطورات سيسبب في نهاية المطاف ما يشبه الغربة والشعور بالوحدة والعزلة.

نعيش في عصر التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات، وهي ثورة لم تخف حرارتها أو تنخفض، ولم تنطفئ شعلتها أو تخفت، وبالتالي فإن كل يوم نحن موعودون بجديد يتطلب الفهم والاستيعاب ثم الإجادة في استخدامه وكيفية التعامل معه. وما يستطيع الآخرون اللحاق به وفهمه واستيعابه تستطيع أنت وبقدرات أفضل الإلمام به.

المعضلة أو المشكلة الحقيقية في هذا السياق تتعلق بالمعلومات الكثيرة والمتعددة التي تسببها كل هذه البرامج والتطبيقات، ولكم أن تتخيلوا أن كل موقع وخدمة تحتاج لكلمة مرور، وتتنوع الاشتراطات، فهناك مواقع تتساهل وتطلب كلمة مرور بسيطة لأنها توثق دخولك من خلال رقم يرسل إلى هاتفك الجوال، مواقع أو خدمات أخرى تتشدد في كلمة المرور فتطلب حرفاً كبيراً وأرقاماً، فضلاً عن بعض الإشارات. عندها تجد أنك ملزم بتدوين وحفظ هذه الكلمات السرية لأنك ستعود وتحتاجها في قادم الأيام، البعض يحفظها في هاتفه الجوال إما كرقم اتصال هاتفي، أو يخصص لها صفحة في الملاحظات.

لكن ليس هذا الجانب وحده هو الذي سيؤرقك، بل ما تبثه الكثير من المواقع من أنباء وأخبار تصل إلى هاتفك والبعض منها تصل كرسالة لا بد أن تراها في اللحظة، وهنا تجد نفسك محاصراً بكم من هذه المعلومات التي لا تكاد تتوقف، ومع أن هناك خصائص تمكنك من التحكم بمثل هذا السيل المعلوماتي؛ إلا أن فضاء شبكة الإنترنت مفتوح بشكل واضح ولا لبس فيه، على سبيل المثال عند الدخول على حسابك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ستجد معلومات من كل حدب وصوب ولا يمكنك الاختيار بينها، وإن وضعت إعدادات لتصفية مثل هذا السيل فإن قدراتك ستكون عاجزة عن إيقاف المعلومات الإعلانية والتي من خلالها يتم تمرير الكثير من المعلومات الخاطئة والمضللة.

يخيل لنا وببساطة متناهية أننا نتحكم بالمعلومات وأن لدينا صلاحيات تحد من تلك التي لا نحتاجها أو التي نرفضها أو الكاذبة؛ والحقيقة أنها إن لم تصلنا بطريقة مباشرة من خلال حساباتنا فإنها ستصلنا خلال تصفحنا للشبكة إما من خلال إعلانات أو من خلال مقترحات جانبية مشوقة للقراءة.

هذا واقع شبكة المعلومات العالمية الإنترنت، والتي باتت سوقاً استهلاكياً ضخماً، وباتت ميداناً إعلانياً غير محدود؛ أسوق لكم مثالاً يوضح هذا الجانب، عندما تقوم بالحجز على رحلة طيران، أو عند الدخول لتصفح موقع لحجز الفنادق، أو عند رغبتك بمعرفة نطاق أسعار إيجار السيارات، عندها ستجد أن جميع الإعلانات التي تظهر خلال تصفحك الشبكة، تتوجه نحو ما بحثت عنه. أصبح الإعلان يطاردك تماماً كما تطاردك الأخبار غير الدقيقة والكاذبة والمغرضة.

هذه بطبيعة الحال ليست دعوة للهروب والانعزال، بل هي دعوة للوعي والفهم بعمق هذا العالم الافتراضي، ومعرفة الطرق السليمة للتعامل معه، وكيف نأخذ المفيد من المعلومات، وترك كل الغثاء الذي لا طائل منه والذي يهدر الوقت والجهد.