الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أهرب إلى التأمل

حياتنا اليومية عبارة عن ركض متواصل، وسعي لا يعرف الكلل، وهذا الجهد يستنزف الكثير من صحتنا، وفي نفس اللحظة يسبب الإرهاق وبالتالي التعثر، وتزايد العقبات في مسيرتنا الحياتية والتي تهدف إلى تحقيق الطموحات والأهداف. أيضاً نحن معرضون يومياً لمشاهدة مئات المئات من الصور، وسماع مئات الكلمات المحملة بالأخبار والأحداث المؤلمة، حيث نرى لوهلة من الزمن أن العالم ساحة للكثير من الصراعات التي تنتج أرقاماً كبيرة من الضحايا بسبب الحروب فضلاً عن الكوارث الطبيعية. ولا مفر من تلقي هذا السيل الإخباري اليومي، فالأخبار ماثلة أمامك على شاشات التلفزة وعلى كمبيوترك بل وحتى جوالك عبر الرسائل أو بأي وسيلة من وسائل التواصل الحديثة.

ودون أن يشعر الإنسان منا يعيش في دوامة من الضغوطات والزحام، وهو أيضاً قد يعاني من تراكم المهام على كافة الصعد الاجتماعية من العائلية حتى العملية أو غيرها. صحيح أن التخطيط وترتيب الأولويات، يعتبر من أول علامات النجاح وإنجاز المهام، لكن التخطيط الجيد لا يلغي الضغوطات الأخرى، كما أن الإرهاق والتعب يبقى ماثلاً وله تأثيره البالغ على العقل والجسد، وبالتالي قد يسبب أمراضاً نفسية وعضوية.

علماء الطب النفسي وضعوا لكثير من الدراسات والبحوث في هذا المجال والتي تستهدف تقديم بدائل وعلاجات تخلص إنسان العصر الحديث من مثل هذه الضغوطات، وتقدم له نصائح عديدة وبدائل متنوعة تستهدف صحته الذهنية والبدنية والنفسية.

وعلى الرغم من تنوع تلك النصائح واختلافها، إلا أن هناك شبه إجماع على أهمية أن يلجأ الإنسان إلى التأمل والذي يساعده على الاسترخاء، حيث يرى البعض أن التأمل يساعد على تغيير نظرة الفرد المحبط تجاه الحياة، وأن هذا التغير ينبع ويبدأ من عمق الإنسان نفسه، غني عن القول أن التأمل يعتبر عملية مفيدة لتهدئة المخاوف وتخفيف الضغوطات وهو خير من يسمح لنا بالتفكير وفق طبيعتنا دون تأثر من عوامل خارجية، لكن من الأهمية أن نعرف كيف نبدأ رحلتنا مع التأمل، وبطبيعة الحال هناك عدة تدريبات وضعت في هذا السياق وكذلك شروط ليكون تأملك ناجحاً ومفيداً لصحتك، لعل من أهمها الابتعاد عن التلفاز والمذياع والجريدة بل حتى عدم الحديث مع الآخرين، فالمطلوب هو أن تستمع لأفكارك ومن داخل كيانك، ويقال إن الإنسان كلما تعلم وتعمق في التأمل أكثر كلما كان أقوى في مواجهة التحديات والصعاب، ولعل خير شاهد على صحة هذا القول أن الله لم يبعث الأنبياء إلا بعد أن جلسوا عدة جلسات من التأمل والتفكر والتعبد والتقرب إلى الله. وهذا التقرب والتأمل في ملكوت الله، منحهم القوة لمواجهة الصعاب والعقبات. ولنجاح جلستك في التأمل يؤكد علماء الطب النفسي أنه من الأهمية أن تترك العنان لأفكارك وكل خلجات قلبك دون تقييد أو محاولة لمصادرتها أو إخفائها.

قد يقودك التأمل إلى أبعد من كونه مفيداً في تخفيف توتراتك ومساعدتك على الصعاب التي تواجهها إلى أن يكون علاج بعض الأمراض المستعصية وكذلك الأمراض النفسية.

لنتعمق في دراسة التأمل وكيف نمارسه، ولنجرب.. بل لنهرب إلى التأمل من كل هذا الزحام.