الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ما زلت أسمعك تتنفس!

اتخذ من شفتيه الدقيقتين وحاجبيه المنعقدين مساحة مريبة للتفكير العميق، وهي ملامح صعبة لا يدرك جوهر معانيها كل من ينظر إلى وجهه النحيل، فيخال إلى الناظر أن خطباً ما قد أحزن هذا الرجل بشدة، فيبدو وكأنه يحاول استعادة شيء ما لم يفقده من الأساس! هكذا نزع الموسيقار (جون نيكولسون ايرلاند) نظارته الزجاجية، وحملها ساهماً بيده اليمنى، ثم أرخاها على آلة البيانو أمامه، ودون أن يحرك ساكناً تمتم كمّن يجد الكلام عسيراً في لحظات كهذه، حسناً ربما أراد أن يقول: (ما اسم المصيبة التي غادرتنا ليلة البارحة؟).

يعد الانجليزي (ايرلاند) عازفاً متعدد المواهب، ومؤلفاً موسيقياً يعتنق جميع المذاهب، انجذب نحو العزف في فترة المراهقة، لعله يتخلص من تلك الأفكار المرهقة، فتميز أداؤه الناضج ضمن أعظم وأرقى المؤلفين، مما يذكر بالأسلوب الانطباعي الواقعي الدفين، كتب لموسيقى الحجرة وأعمالاً أخرى أوركسترالية عديدة، وبقيت محبوبته البيانو آلته المقربة الوحيدة، قضى 8 أعوام في الدراسة من دون تكليف، ولا عجب أنه كرس معظم حياته في التدريس والتأليف، مؤلفاته لها حس فعلي بالمكان، وتعكس الإلهام على مر الزمان، فأصبحت أعماله مميزة بأسلوب اللغة الإيقاعية، وبالرغم من تأثير الفنون الرومنطقية الألمانية، إلا أنه تمكن من أن يكوّن لنفسه أسلوباً رقيقاً خاصاً بموهبته الفنية.

كان والده أديباً معروفاً في جميع الأنحاء، ولعله لذلك عاش منجذباً للشعر والشعراء، لتبقى عناوين مقطوعاته لغزاً لا يود أحد أن يحله، أو أن يضع اسماً بديلاً أو عنواناً آخر محله! ومنها (أغنيتي هي الحب المجهول، نداء الأرض، لدي 12 ثوراً، حزن الربيع، حمى البحر، اللهب المقدس، ما زلت أسمعك تتنفس، الطقوس المنسية، إنها تتحدث إلي، العيش داخل رأسي....) وغيرها من العناوين الغريبة، المثيرة للشك والريبة، لكن في جميع الأحوال، نجد موسيقاه أجمل مما قد يكتب أو يقال.