الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

دفاعاً عن المؤلف لا عن الكتاب

لا يمكن لأي مؤلف أن يتنبأ بأن منجزه الذي كتبه طوال شهور والبعض قد يمضي سنوات، أقول إنه لا يوجد أي مؤلف يجزم بأن ما قدمه سيلاقي النجاح والانتشار، ومسألة الانتشار تحديداً، تعتبر محورية وهامة لدى كل مؤلف، بل هي المؤشر لنجاحه أو إخفاقه، وأقصد بالإخفاق هنا الوصول للقارئ، وليس جودة المحتوى أو تواضعه، لأن عملية الحكم على المنجز تخضع لاعتبارات ومقاييس علمية لدى النقاد.

لذا تجد المؤلف دوماً يشكو من معضلة التوزيع، ومن الدار التي تبنت وتولت إصدار كتابه، ثم أخفقت في توزيعه، ولعل خير دلالة على هاجس المؤلف في وصول منجزه وصوته، هو ما نلاحظه من قيام الكثير بالترويج لكتبهم وإصداراتهم والتعريف بها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، سواء بنشر الأخبار أو الحوارات أو حتى مقتطفات عن أهم ما ورد في منجزاتهم.

البعض من المتابعين، يفسر مثل هذا التوجه، بأنه سعي نحو الشهرة من المؤلف، وإن كان هذا حق طبيعي للجميع، إلا أن الكثير من المؤلفين، الأسباب الدافعة لهم ليس من بينها حصد الجماهيرية، بقدر وصول منجزاتهم وأفكارهم لأكبر عدد من الناس.

أعود لمحور المقال والحديث عن اختيارات القراء للكتب، وميولاتهم التي لا يمكن التنبؤ بها، لأن كثير من الناشرين على سبيل المثال، يصفون بعض الكتب لديهم بأنها على درجة عالية من الجودة والمهارة والتميز، ولكن توزيعها وإقبال القراء عليها ضعيف، وفي الجهة المقابلة تجد كتباً متواضعة من عدة جوانب، ولكن نسبة الشراء لها كبيرة، بل قد تشاهد كتباً طبعت عدة طبعات، وتلاحظ تعليقات وكلمات كثيرة حولها، وثم تقوم بالشراء لتجد نصوصاً متواضعة مستهلكة لا قيمة حقيقية فيها.

ورغم أن مثل هذا الموضوع شائك وطويل ومتفرع، وفي جانبه يجب أن يكون للنقد العلمي كلمة، إلا أن هذه الحالة تذكرني بالجدل الذي عم الساحة الفنية قبل بضع سنوات، ولعله متواصل حتى الآن وإن بصوت أخفت، حول الأغنية ذات الإيقاع السريع، التي تلقى انتشاراً على حساب الغناء الأصيل، الذي يتميز بقوة اللحن والكلمة الشعرية، بينما الأغنية السريعة ذات كلمات خفيفة متناغمة ذات سجع معين على إيقاعات صاخبة، وكان هذا النوع ينتشر لفترة من الزمن ثم يخفت ويتلاشى تماماً، وعندما سئل أحد منتجي الموسيقى عن سبب حماسه واندفاعه لإنتاج مثل هذه الأغاني أجاب بأن الجمهور "عاوز كذا".

كمتابع وأحد العاملين في الساحة الأدبية، أجد أنه من المهم تبني دراسة بحثية علمية، تعمل على اكتشاف ميول القراء، وكيفية اختيارهم للكتب، وهذه الدراسة لو قدر ورأت النور ستكون مفيدة لعدة أطراف حيوية في مجال صناعة المعرفة، تبدأ من المؤلف نفسه، وصولاً إلى الناشر، ثم للناقد، والذي من أهم وظائفه تطوير المنجز.

الذي أريد الوصول له، أن المؤلف يستحق العناية والاهتمام والرعاية، يستحق أن نقف معه، ونسانده في مهمته، وهذا لا يعني تشجيعه على الكتابة الركيكة، أو دعم كتاب ومنجز متواضع، فيوجد فرق بين الاثنين، نعم لدعم المؤلف وتذليل الصعوبات أمامه، لكن لا لخداع القارئ ومديح منجز متواضع.