الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

قوة التنوع ونهج التسامح

ما يميز الثقافة الإماراتية أنها لم تكن ثقافة جامدة إسمنتية -إذا صح التعبير- كالمباني والعمائر والطرق والسدود، بل كانت ثقافة إنسانية باقتدار، ثقافة من الإنسان إلى الإنسان، ثقافة لها مقدرتها الحسية وجوانبها المحملة بالمشاعر الدافئة التي تقترب من كل البشرية دون استثناء. الثقافة الإماراتية لم تكن متسامحة مع الآخر وحسب بل كانت مفيدة لهذا الآخر، فالمواطن الإماراتي مع وطنيته الشديدة لم يلغِ الآخرين أو يصنفهم ويهمشهم، بل اعتبرهم شركاء في الهدف وهو خدمة الوطن وبناء المزيد من الإنجازات.

وهذه الرؤية والفهم، هي التي جعلت من بلادنا وجهة للكثير من شعوب العالم، وهذا العمق الإنساني في التعامل والتعاطي مع كل هذه الجموع من مختلف الجنسيات من شتى بقاع العالم على مختلف لغاتهم وثقافاتهم، وجدت على أرضنا في سلام ووئام، وهذا مؤشر ودلالة كبيرة على نجاح المنهج والسياسة التي نتبعها، وأيضاً هي مؤشر للتفوق والنجاح.

وأعتقد أننا لم نكن لننجح لولا أن هذه المبادئ العظيمة التي عمل آباؤنا وأجدادنا على غرسها في الأبناء لتصل للأحفاد، وتتوارثها الأجيال جيلاً وراء جيل، بكل هذا الوهج والقوة.

وفي اللحظة نفسها هذا تفكير طبيعي ومحصلة لما غرسه في القلوب الوالد الراحل صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله رحمة واسعة، من حب الخير والعمل لبناء هذا الاتحاد العظيم، والحث على تذكر الآباء والأجداد، وقيمهم النبيلة، حيث قال رحمه الله: "إن الآباء هم الرعيل الأول الذي لولا جلدهم على خطوب الزمان وقساوة العيش لما كتب لجيلنا الوجود على هذه الأرض التي ننعم اليوم بخيراتها".

هذه المعاناة والقسوة التي كانت ماثلة، هي التي رسخت ثقافة الجد والاجتهاد والعمل، وأيضاً الانفتاح على الآخر والتقبل والتسامح مع الجميع، هذه الثقافة التي وجدت ونمت كونها جزءاً من تفكير وحياة إنسان هذه الأرض، قادت لما نعيشه اليوم من تفوق في عدة مجالات تنموية حياتية هي مقصد وتطلع لأي شعب من شعوب العالم.

وهذا النجاح يبرهن على أن خصال التسامح وثقافة التقبل والحوار، رغم ما يظهر للجميع من سهولتها وبساطة العمل بها، إلا أنها صعبة التطبيق على أرض الواقع والتعايش معها، وكثير من المجتمعات فشلت فيها، لذا نشاهدها تعيش في ذاتية وتراجع وتعثر واضح.

التنوع قوة عظيمة، والتسامح نهج، يوضح ويدلل على قوة الثقافة والفهم في المجتمع المتسامح، فلنحافظ على هذا الوهج ونعزز ونطور دوماً القوانين والأنظمة التي تحمي الإنسان وإنسانيته.