الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

درسٌ ياباني: الإصرار فكرة أم ممارسة؟

تماشياً مع ضغط الأخبار السلبية المتربصة بنا من كل حدبٍ وصوب والتي تنافس أي أخبار إيجابية على المساحات المطبوعة والرقمية وحتى على الأعمال الدرامية والمسرحية على قلة حضورها تأثراً بمضاعفات الجائحة، باتت إحدى مساحات المتعة بالنسبة لي القراءة حول التحدي والإصرار ومقاومة الأزمات، وجميع ما يدور حول هذه النواة من أدوات فكرية وبرمجيات عقلية ومنهجيات تربوية، وهذا بالتأكيد يُفضي لممارسات عملية مختلفة.

في اليابان تُعتبر دمية «داروما» من أشهر التمائم وأكثرها رواجاً بين السياح، حيث اللون الأحمر هو الأساسي فيها، وتمتاز بعينيها الواسعتين اللتين تكشفان عن نظرة صارمة مفعمة بالإصرار. وبحسب BBC عربية فإن داروما ليست مجرد تميمة جالبة للحظ في اليابان، بل إن هذه الدمية المستديرة ترتكز على قاعدة بحيث إذا دفعتها ستتأرجح من جانب لآخر ولن تسقط على وجهها قط، ولهذا تعد رمزاً لعزيمة هذه الأمة التي صمدت في وجه الكثير من الكوارث التي كادت تقودها للانهيار، والتي لا تخفى على أحد بعددها وقوّتها وبشاعتها.

من أهم الأفكار المستوحاة من «داروما» أن الأزمات والمصاعب مهما حاصرتنا وأرهقتنا، لا بد أن نستجمع قوانا وننهض من جديد. ويلخص هذه الفكرة مثل ياباني يقول «إذا سقطت 7 مرات، يجب عليك أن تقف للثامنة» حيث يغرس المجتمع الياباني في نفوس الأطفال الصبر والتحمّل منذ الصغر. من يمكث في اليابان لفترة من الوقت سيلاحظ كثرة المفردات التي تعبر عن الصمود والصبر والتحمل دون إبداء امتعاض في لغة الحياة اليومية. فكثيراً ما تجري على ألسنة اليابانيين كلمات من قبيل «شوغاناي» التي تعني «لا بأس» أو «الأمر خارج عن إرادتك» و«غنبارو» التي تعني «ابذل أقصى ما في وسعك»، وكلمة «المثابرة» ما يدل على أهمية الإصرار والعزيمة في المجتمع الياباني.

إن المتأمل في رمزية الدمية والأهم رمزية المعنى والثقافة الموروثة من خلالها، يكشف سلاحاً من أقوى أسلحة الشعوب الحضارية، إنها الفكرة المنتشرة في كل مكان، والتي ستقودك بالتأكيد لصناعة مسار سلوكي متصاعد يعكس قوة الفكرة في عقول وقلوب الناس. نعم الفكرة النقية المصنوعة بشكلٍ عبقري تسبق السلوك وتقوده إلى حيث تريد.