الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الإمارات.. والاستشراف القضائي

من أبجديات معادلة العدالة الناجزة، تعدد أبوابها، وسرعة وسهولة الوصول إليها، واستقلالية منظومتها، وانخفاض كلفتها، وثقة الأطراف في كفاءة وحيادية القائمين عليها من قضاة ومحكمين ووسطاء وموفقين.

وبرغم محدودية كلمات المعادلة، فإنها ليست سهلة المنال أو يمكن تحقيقها في كل الأحوال؛ فتنافسية الدول لتحقيق مكانة ريادية في سلم العدالة المدنية والتجارية، تُنبئنا بأن المسير ليس باليسير، والوصول ليس مضموناً دون التزام أصيل بتفعيل متطلبات تلك المعادلة.

وبنظرة موضوعية إلى المشهد التشريعي الإماراتي في مجال العدالة المدنية والتجارية، حققت الإمارات على المستوى التشريعي نقلات تشريعية نوعية بصدور القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم، والقانون رقم (5) لسنة 2021 الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم (17) لسنة 2016 بشأن إنشاء مراكز التوفيق والمصالحة، والقانون رقم (6) لسنة 2021 بشأن الوساطة، وغيرها من التشريعات الاتحادية والمحلية.


ويعكس هذا الاستشراف التشريعي توجهات القيادة الرشيدة لتبوؤ الإمارات الصدارة المنشودة في فاعلية وكفاءة العدالة الذكية الناجزة. ويبقى السؤال: هل يمكن أن تحقق أدواتنا التشريعية الحالية وآلية العمل المكانة الريادية القضائية المنشودة؟ وهل هناك حلقات تكاملية أخرى يتعين الاهتمام بها لتحقيق مستهدفات وغايات المُشرع؟


في الحقيقة، تعمل الإمارات وبجهود حثيثة عبر فرق عمل ولجان تضم المعنيين لاستكمال الحلقات التكاملية، بهدف تحقيق التمكين القضائي مساندة وإشرافاً وتنفيذاً لموجبات العدالة الناجزة بواقعية وابتكارية تواكب التحديات والاحتياجات والتوقعات والمتغيرات المتسارعة، خاصة في مرحلة التعافي ما بعد الجائحة، وصولاً إلى المفهوم الأشمل لمنظومة العدالة وقائياً واتفاقياً وقضائياً وتحكيمياً، لتشكيل نموذج ريادي إماراتي استباقي في العدالة الناجزة متعددة الأبواب، ويترجم توجهات الدولة في الخمسين القادمة.

ولعل التحليل المنهجي العميق لرحلة وتجربة سنغافورة فيما حققته من نتائج باهرة في مجال العدالة المدنية والتجارية وثقة الأطراف، يؤكد حتمية تبني المعادلة التي سلف ذكرها، وليس الأمس ببعيد حين قام أعضاء يمثلون مجلسي العموم والنواب البريطاني بزيارة إلى سنغافورة فى 2019 للتعرف على أسرار فاعلية وموثوقية وتنافسية المنظومة السنغافورية فى تسوية المنازعات، ليعودوا بعدها إلى بريطانيا وبجعبتهم دروس مُلهمة في كيفية تحقيق سنغافورة تلك المكانة الدولية. يقيناً، تمتلك الإمارات مقومات تلك الريادة نحو الاستشراف القضائي محلياً واتحادياً، والتحول الاستباقي، ولن يفوتها أن تتجه شرقاً إلى سنغافورة للاستفادة من تجربتها الاستثنائية في تحقيق العدالة متعددة الأبواب بفاعلية واحترافية، جعلتها تنافس الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس..!