الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

سِحر الأماكن.. بساكِنيها

السفر لأي مكان لا تكفيه زيارة واحدة، فحب الاستكشاف ومتعة البصر للأماكن الجديدة ومتعة التجوال، تجعل الزائر طائراً بجناحين من السعادة، وذلك ينصب أيضاً على مذاقات الأطعمة والأشربة في المنطقة التي قصدت زيارتها، خاصة من يشتهرون بصناعة الشاي أو القهوة والعصائر، فهي مكملات تضيف المزيد من المتعة، وتجعلك ترى الجمال مضاعفاً.

وغالباً ما يتبع فرح القدوم، حزن عند الرحيل، وقد لا نفكر بهذا الأخير طوال وقت الزيارة، لكن ما إن تدق ساعة الرحيل حتى تبدأ الأحاسيس الثقيلة بالإحاطة بالقلب وقبضه واستهلاك كل طاقات الفرح، وتتحول متعة وجودك في المكان، إلى هاجس ابتعادك عنه، مع وعود تقطعها على نفسك بزيارة أخرى قريبة.

وغالباً الأماكن ترتبط بأهلها، فقد تجافي الجميل منها بسبب الناس الموجودين فيها، وهذا يأخذنا إلى العلاقة الطردية بين الإنسان والمكان، فكم من مكان جميل أناسه سيئون، وكم من مكان سيئ أناسه طيبون، لكن تأثير البشر في طرد الناس قد يكون أقوى من الحجر!


والأمر شبيه لدرجة كبيرة بزيارة الأماكن المقدّسة، فزيارة واحدة لها لا تكفي، والروح تظل معلقة بقداستها وتتوق لزيارتها مرّات أخرى علّها تستكفي، ولكنها تعود ظمأى بعد وقت قصير من كل زيارة، ونحتاج غالباً لتلك الطاقة التي تمنحنا إياها، ونرغب في تجديدها لنشحن ما بداخلنا من أمل وسلام نفسي.


أنا شخصياً قد أتغاضى عن سوء المكان في سبيل أناس طيبين ورفقة صالحة، فبهم يحلو المكان ويصبح مرور الزمن أجمل، وتتجمّل الأشياء والتفاصيل مهما اختلفت، فكم من رحلة لمكان سيئ قضينا فيها أمتع الأوقات برفقة أناس كانوا صنّاعاً للسعادة والفرح، ما نعنيه بالطيبين هم أولئك البسطاء البعيدون عن التكليف بخلاف المجاملين تماماً، ومن تشعر بحبهم ومودتهم دائماً مهما اختلفت ظروفهم، فالذي يجامل على الدوام ما هو إلا جالب للهم، يتعبك بمجاملته ويضعك دائماً في موقف المقارنة.

والشاهد أن العرب يمتازون بالمجاملات الشديدة، فيغالون فيها لحد أنك تكتشف بعد زمن من رفقتك مع شخص ما، أنه طوال تلك الرفقة كان يجاملك، وما أن يدخل المحك في خلاف بسيط حتى ينقلب إلى وحش كاسر يحطم كل الصور والمواقف الجميلة.